هذا، وقد وجه صاحب الجلالة حفظه الله، بهذه المناسبة، رسالة ملكية سامية إلى المشاركين في المؤتمر، تم إلقاؤها من طرف مستشار جلالته السيد عبد اللطيف المنوني، واتخاذها ورقة عمل للمؤتمر بحكم ما زخرت به من مضامين ودرر جد متقدمة بشأن ضمان تفعيل استقلال السلطة القضائية في الممارسة والتطبيق، وتعزيز الثقة في القضاء، وكذا تطوير العدالة وتحسين أدائها لمواكبة التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها مختلف المجتمعات، وتنمية التعاون القضائي الدولي وتطوير مجالاته كرافد للارتقاء بأداء أنظمة العدالة، يتيح تبادل التجارب والخبرات واكتشاف الممارسات الفضلى التي يمكن الاستفادة منها والاستئناس بها.
كما تضمنت الجلسة الافتتاحية كلمة كل من السيد مصطفى فارس الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية والسيد مَحمد عبد النباوي الوكيل العام للملك رئيس النيابة العامة، والسيد محمد أوجار وزير العدل، فضلا عن كلمات جميع رؤساء الوفود المشاركة.
وقد عرفت أشغال هذا المؤتمر الهام مناقشة الأفكار والآراء والمواقف المدلى بها من طرف المؤتمرين حول محاور المؤتمر، المتعلقة بتطور استقلال السلطة القضائية في عالم متغير وبحكامة الإدارة القضائية وتعزيز نجاعتها وبإنماء القدرات المؤسسية لمنظومة العدالة وبتخليق منظومة العدالة؛ مستحضرين تجارب مختلف الدول في هذه المجالات مهتدين بمضامين مختلف المواثيق الدولية المتعلقة بالسلطة القضائية وحقوق الإنسان.
ولقد تمخض عن أشغال هذا المؤتمر المتميز إعلان مراكش "حول استقلال السلطة القضائية وضمان حقوق المتقاضين واحترام قواعد سير العدالة"، الذي تضمن العديد من التوصيات الهامة، وتأكيد المؤتمرين على ضرورة تنمية التعاون القضائي الدولي وتطوير مجالاته، فضلا عن دعوتهم إلى مأسسة الانعقاد الدوري لمؤتمر مراكش الدولي للعدالة، كمنبر عالمي يتيح تبادل التجارب والخبرات في مجال تطوير العدالة المعاصرة بما يمكنها من مواجهة ما يعترضها من تحديات ورهانات.
وعلى هامش هذا المؤتمر أشرف السيد مصطفى فارس الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية على افتتاح متحف الذاكرة القضائية المقام ضمن فعاليات هذا الحدث الكبير، والمتضمن لمجموعة من الوثائق التاريخية الهامة التي تلقي الضوء على مراحل هامة من تاريخ الدولة المغربية، والتي تساهم لا محالة في التعريف بمفاخر الأجيال السابقة، واسترجاع تاريخ وفترات مشرقة من حياة المغاربة الذين حافظوا بجميع أجناسهم على وحدة الوطن، وإدراك التحول التاريخي الذي تعرفه البلاد في الوقت الراهن، نتيجة تعزيز روابط التعايش والالتحام بين العرش والشعب من أجل الحفاظ على المكتسبات الوطنية الكبيرة، في إطار مغرب المؤسسات والديمقراطية.
هذا، وقد زارت مختلف الوفود المشاركة من مغاربة وأجانب، هذا المعرض الهام الذي ضم العديد من المخطوطات والوثائق التاريخية التي تؤكد على حضارة المغرب العريقة وعلى وحدة أراضيه، والمتمثلة في وثائق وحجج قانونية وقضائية تاريخية دامغة تجسد فعلا ارتباط جنوب المغرب بشماله ووسطه في توليفة قانونية وقضائية موحدة، فضلا عن وثائق للبيعة وأحكام قضائية صادرة بالصحراء في جنوب المغرب لها مئات السنين تؤكد على عمق العلاقة والعناية التي أولاها السلاطين والملوك المغاربة لأسرة القضاء.
كما شهد هذا المؤتمر عقد السيد مصطفى فارس الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، الرئيس الأول لمحكمة النقض، عدة لقاءات وجلسات ومحادثات مع مختلف الوفود الدولية المشاركة في هذه المناسبة، قدم لهم خلالها شروحات وايضاحات وافية حول مؤلف "وحدة المملكة من خلال القضاء" الذي أصدرته محكمة النقض باللغة العربية وتمت ترجمته إلى كل من اللغة الانجليزية والفرنسية والاسبانية.
ويعتبر هذا الإصدار ثمرة للندوة الدولية الكبرى التي سبق أن نظمتها محكمة النقض وساهم في إنجازها وتأطيرها عدد من الدبلوماسيين والمفكرين وأعلام التاريخ والفقه والقانون الذين أبرزوا بالحجة والبرهان كل المؤشرات والشواهد على وحدة المملكة وعدالة قضية الصحراء المغربية.
وقد عرف اليوم الأخير من أشغال هذا المؤتمر، عقد السيد مصطفى فارس الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ندوة صحفية مع وسائل الإعلام، أكد خلالها على أهمية هذا الحدث الكبير الذي يستمد رمزيته من الرعاية الملكية السامية، وإشعاعه من الحضور الوازن لشخصيات دولية متميزة أبت إلا أن تشارك في هذه التظاهرة للاطلاع على التجربة المغربية في الجانب المتعلق باستقلال السلطة القضائية؛ حيث كانت هذه المناسبة فرصة سانحة لاستعراض أهم منجزات المجلس الأعلى للسلطة القضائية بعد سنة على تأسيسه، بمؤشرات إيجابية متعددة على مختلف المستويات، رغم كل الإكراهات والصعوبات، التي لم تتمكن من ثني المجلس على وضع اللبنات الأساسية الهيكلية والتنظيمية للمجلس في الوقت المناسب، وكذا تفعيلها خلال اجتماعاته، عاقدا العزم على مواصلة جهوده الحثيثة لاستشراف آفاق مستقبل واعد للقضاء المغربي بطرق إبداعية حديثة، في ظل القيادة الحكيمة والرشيدة لعاهلنا المفدى صاحب الجلالة الملك محمد السادس، رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية حفظه الله وأعز أمره.
وفي ختام هذا المؤتمر الكبير أبى المؤتمرون إلا أن يرفعوا إلى صاحب الجلالة والمهابة الملك محمد السادس نصره الله، برقية شكر وامتنان، تلاها السيد إدريس إبراهيم جميل وزير العدل السوداني، عبروا خلالها عن أسمى آيات امتنانهم، وخالص عبارات الشكر والعرفان على رعاية جلالته الكريمة السامية لهذا المؤتمر القانوني والقضائي الرفيع، الذي يمثل حدثا تاريخيا عظيما حافلا بدلالاته الإنسانية والقانونية والحقوقية، معربين لجلالته عن صادق شكرهم للحفاوة البالغة التي حظوا بها منذ حلولهم بأرض المملكة المغربية.
زنقة الرياض، قطاع 16 حي الرياض، ص.ب 1789 الرباط
sg@cspj.ma