بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين
الحضور الكريم؛
وأنا أقف أمامكم اليوم من أجل وداع وتأبين الأخ والصديق والزميل المرحوم الدكتور عبد المجيد اغميجة أجد نفسي في أصعب المواقف وأقساها، حيث تولد الكلمة حزينة ويغدو الصمت ابلغ تعبير عن عظيم الجلل ، وعن وجع الغياب.
كيف لا، وأكبر الرزايا أن يفقد البلد أحد مصابيحه من القضاة الأفذاذ والفقهاء الأماجد والوطنيين الكبار.
كيف لا وأكبر المصائب أن تفقد أخا عظيما وسندا ودعما كبيرا من طينة استثنائية متفردة.
نعم، إننا مكلومون متألمون إذ نفقد واحدا من أعزائنا، وركيزة من ركائز أسرتنا، والعين لتدمع والقلب ليخشع ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وأنا لفراقك يا سي عبد المجيد لمحزنون.
هو الموت لا تسأل به كيف رَوّعا |
ولا كيف أودى بالرجال وفجعا |
ولا كيف يختار الكرام وينتقي |
ذوائب أهل الفضل والدين مسرعا |
أكيد أن اجتماعنا اليوم أيها السيدات والسادة الأفاضل ضرورة أخلاقية عبر عنها الإمام علي كرم الله وجهه بقوله: " لا يكون الصديق صديقا حتى يحفظ أخاه في ثلاث: في نكبته وغيبته ووفاته".
والأكيد أيضا أن الأمم عبر العالم لا تبحر في تاريخها إلا بشراع العظماء ولا تحافظ على حياتها إلا من خلال إحياء ذكراهم.
ونحن في هذه الذكرى التي توحدنا جميعا بكل شجنها وحمولاتها ودلالاتها، فإنها تكرس لدينا قناعة أكيدة أن الإنسان لا يموت لمجرد أن نفسه انقطع، فالذين كتبوا وخطوا سيرتهم المتميزة بكل أخلاق، وقدموا حياتهم بكل تلقائية فداءا لقضايا الوطن، هم باقون إلى الأبد فكرا وروحا وأثرا، مدارس حبلى بالتجارب والعبر، وأشجار دانية القطوف وارفة الظلال لا يزيدها الزمان والمكان إلا عطاء ووهجا وغنا.
وقد قالها الشاعر صدقا :
ما مات من مات محمودا فضائله |
بل مات من عاش مذموما من الكذب |
الحضور الكريم؛
مناسبة كهاته تلزمنا بتقديم شهادة حق وإنصاف تقدم بين يدي روحه الزكية نتحدث عنه وننسب إليه بعضا مما يستحق .
لن نتحدث اليوم عن صفات وأسماء وعناوين، بل معاني جسدها الفقيد في سلوكه ومعيشه دون تكلف أو تصنع.
شهادة لن نوفيها حقها بكل يقين، فلا أحد قادر على أن يحصي خصال سي عبد المجيد ومزاياه.
ماذا نقول في حق من وَجَّه وعلم وقاد وآخى وصادق وأعطى دون مٍَّن ورياء؟.
ماذا نقول في ذكرى مربي كبير رحل عنا بهدوء تام يماثل هدوءه المعهود عندما كان يسعى بيننا بنشاط وهمة وحيوية؟.
سي عبد المجيد؛
نفتقد اليوم القدوة والنموذج الذي جسدته بكل شموخ .
نفتقد تلك الطاقة المبدعة التي تعمل بجد وتنتج في هدوء.
نفتقد الجندي الذي ولج ساحة الوغى بقلب ثابت دون تهيب أو ادعاء، قلب ينبض بالوطنية والمحبة والعرفان.
نفتقد العالم الزاهد والفقيه العامل بهمة لا تعرف الشكوى أو الكلل، ولم يقعده التعب لا حتى المرض إلى أن اسلم الروح لبارئها بكل رضى وقناعة ويقين.
سي عبد المجيد؛
عبقري المودة والتواضع.
مدرسة الأخلاق والوطنية، وسيرة ستبقى خالدة في درب العدالة الطويل والشاق، تستحق أن تروي وتكتب وتدرس.
لقد عشت أيها الكريم من أجلها وبها ووافاك الأجل في كنفها مناضلا من اجل قيم كبرى مؤمنا بكل ما يجمع ويوجد وكنت ممن قال فيهم رب العزة ." رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم ومن يننتظر وما بدلوا تبديلا".
أكيد انه من اقترب من سور حديقة نفسك الطيبة ستتبدى له الأسباب، وتنكشف له الأسرار، أسرار المحبة التي أودعها الله قلوب أصدقاءك وزملائك وطلبتك.
لقد تركت لنا إرثا عظيما وأمانة كبرى بقدر ما ستتعب من بعدك فإنها ستنير السبيل للجميع.
إرث لا دراهم فيه ولا دنانير ، بل باقيات صالحات، علم وخصال وقيم وسلوك.
فسلام على روح طاهرة زكية تشهد أركان هذه القاعة الكبرى على سموها وتميزها.
سلام من قاعة تفتقد اليوم صوت حكمتك وبعد رؤيتك وانحناءة تواضعك.
قاعة سيكون اكبر تشريف لها ان تحمل اسمك تمجيدا واعترافا وتقديرا.
وسلام عليك من أخ يفخر بمرافقتك ويعتز بالعمل معك والنهل من فيض معرفتك والاعتماد على مواقفك النبيلة لسنوات طوال.
ولتهنىء نفسا وتقر عينا، فإننا على العهد حريصون،
وللمسيرة مواصلون.
رحمك الرحيم الرحمان برحمته السابغة، الواسعة الندية وأسكنك جوار المنعم عليهم من الصديقين والشهداء والصالحين إقامة فردوسية علوية ، ومتعك بمعية محبوبك صلى الله عليه وسلم معية باذخة مصطفوية وأسبل على ذويك واهلك وأحبابك من الصبر والسلوان ما يؤوب عليهم بجميل الصلوات وجزيل النفحات.
"وبشر الصابرين الذين إذا إصابتهم مصيبة قالوا إن لله وإن إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون".
زنقة الرياض، قطاع 16 حي الرياض، ص.ب 1789 الرباط
sg@cspj.ma