حضرات السيدات والسادة الملحقون القضائيون المنتمون للفوج 45؛
ها أنتم تضعون القدم الأولى في سلم القضاء صَعْبِ الارتقاء ... لأنَّه مهنة تُطالِب مُمْتَهِنَها دائما بمزيد من الصبر والوفاء .. وبكثير من التضحية والعناء .. صبرٌ في مقاومة الملذات .. ووفاءٌ لأشرف الصفات .. وتضحيةٌ بالوقت والعلاقات .. وعناءٌ في دراسة الملفات .. مهنةٌ كلَّما أعطَيْتَها من جهدكَ، طالبتكَ بالمزيد. وكلما منحتَها من وقتكَ سألتكَ أكثر .. وكلما أخلصتَ لها تشبثتْ بك زيادة.
مهنة اخترتموها واختارتكم .. اخترتموها بإقدامكم على خوض غمار المباراة التي قادتكم إلى هذا المعهد بكثير من الحزم والعزم .. واختارتكم لأنّها تنتقي أجود المواطنات والمواطنين للحكم ورفع المظالم .. وأنتم في عُرْف مباريات التوظيف أجودُ من تبارى على المنصب فاستحقَّه بجديتِه في الدرس والتحصيل العلمي .. فنِلتم مقعدَكُم في هذا المعهد الأثير، الذي سوف يقودكم لمصافحة مهنة الشرف والوقار والاحترام .. مهنةُ العدلِ والإنصافِ وردِّ المظالم .. ولكن الطريق إليها مازال طويلاً جداً .. ولا تعَدُّ مسافتهُ بالشُهور والأعوام .. فهي سريعاً ما تَمُرّ أسرع من عبور السحاب .. ولكنها تعَدُّ بمقدار الصبر والإخلاص والاستقامة والنزاهة والجد، والمثابرة على حسن الخلق .. وهي صفات يجب أن تتحلوا بها وأنتم تنتمون للمعهد .. وتحافظون عليها بعد نيل شرف الانتماء إلى القضاء.
قيمُ العدل والنزاهة وحسنِ الخلُق والاستقامة والشرف، لا تقبل القسمة .. ولا تحتمل المهاودة، فهي عمادُ القضاء وعمودُه الفقري.
ولذلك عليكم أن تدركوا خصوصياتِ المهنة التي نذَرتُم أنفسَكُم لها. وتحافظوا على نظافة ثَوْبِهَا في تعاملكم مع الغير .. وتخلصوا لجوهرها باستحضار وفاء الضمير في قراراتكم وأحكامكم.
وإذا قررتُم الزواج من هذه المهنة الحسناء رقيقة الإحساس، وقررتُنَّ قَبولَ القضاء، هذا العريسِ المدلّل .. فأمامَكُم وأمامكُنَّ رحلةٌ تَقِل عن سنتين لتعلُّمِ أصول المهنة وضبط آليات اشتغالها .. فأما من استفاد من فترة تكوينه فسيدخلها فاتحاً مظفراً وسبل النجاح مُشرَعَة في وجهه .. وأما من أضاع الفرصة فلكم أن تتخيلوا موقفه ومآل جهده وعنائه !!.
ولذلك أوصيكم بالاستفادة من حلقات الدرس والتكوين المخصصة لكم، والتحلي باليقظة والفضول العلمي للإلمام بمفاتيح المهنة وسبْر أسرارها من أساتذتكم، وهم في الغالب الأعم قضاة ممارسون حنكتهم التجارب .. وبعضهم جامعيون من الوزن الثقيل، أو مهنيون خَبِرُوا المواد التي يلقنُونها لكم وألموا بخباياها وإشكالياتها. وجميعهم سيُفِيدُون من أراد منكم أن يَستفيد، ويعَلِّموا من أراد أن يتعلم.
كما أوصيكم بارتداء الأخلاق القضائية منذ الآن، وتطبيق مدونة الأخلاقيات القضائية على الفور. فالقضاء أخلاق وشيم فضلى قبل كل شيء آخر. فلا تفرطوا فيها، لأنها مفتاح النجاح والتفوق في المهنة.
وفي انتظار ذلك أستودعكم الله في رعاية المعهد العالي للقضاء. هذه المؤسسة التليدة التي تخرج من رحابها قضاة جهابذة بالمغرب وبدول عربية وإفريقية. وكثيرون من بينهم تركوا بصمات لن تمحى من ذاكرة القضاء. منهم من كان لنا قدوةً ونبراساً. ومنهم من سيكونون لكم كذلك. وفي انتظار تجديد اللقاء بكم من طرف المجلس الأعلى للسلطة القضائية بعد اجتيازكم فترة التمرين بنجاح .. نجاحٌ في التحصيل، ونجاح في الحفاظ على حسن الخلق. أتمنى لكم النجاح والتوفيق.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
زنقة الرياض، قطاع 16 حي الرياض، ص.ب 1789 الرباط
sg@cspj.ma