تغيير نمط العرض
مفضلاتي
30 يناير, 2019
كلمة الرئيس الأول لمحكمة النقض الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بمناسبة افتتاح السنة القضائية القاعة الكبرى بمقر محكمة النقض-

بسم الله الرحمان الرحيم

والحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه؛

باسم جلالة الملك أعلن عن افتتاح هذه الجلسة الرسمية؛

 

بفيض من الفخر والاعتزاز افتتح هذه الجلسة الرسمية السنوية التي تتشرف بانعقادها بإذن مولوي سامي لصاحب الجلالة الملك محمد السادس رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية دام له العز والتمكين.

إذن مولوي عميق في رمزيته، قوي في دلالاته، تلقته بكل ابتهاج قلوبنا، ووضعناه وساما فوق صدورنا وعهدا على عاتقنا.

 مكرمة ملكية من جلالته المنيفة، وهو يتولى هذه الأسرة برعايته السامية ضامنا لاستقلالها،  محافظا على هيبتها وكرامة أفرادها، ومكرسا لأهمية رسالتها وأصالة قيمها.

إذن سامي يعبر بجلاء عن عناية ملكية راسخة ورضى موصول يرفع بهما قضاة المملكة هامتهم عاليا وشهادة تقدير لكل مجهوداتهم وعطائهم وتضحياتهم، لا نملك إزائهما إلا أن ندعوا العلي القدير أن يلهمنا الرشاد والسداد لنكون أحق بها وأهلها وأن يحفظ ملكنا الهمام ويكلؤه بعينه التي لا تنام إنه ولي ذلك والقادر عليه.

ضيوفنا الكرام؛

 إن مشاركتكم معنا اليوم بهذا التميز والحضور الوازن، أصدق تعبير وأكبر تقدير لرأسمال لامادي وطني هام هو قاضيات وقضاة المملكة، جنود العدالة  المتسلحين بقوة القانون وبالنور الكامن في ضمائرهم، المرابطين بكل المراكز والمحاكم والمؤسسات واللجان،  المنخرطين بكل مسؤولية في مشروع مجتمعي مقدام قوامه التطبيق العادل للقانون ونصرة الحق وضمان الحقوق والحريات.

باستجابتكم الكريمة لدعوتنا أيها السيدات والسادة الأفاضل تأكدون لنا معاني الثقة والأمل في مستقبل واعد مبني على قيم الوحدة والتضامن، فلكم جميعا أصحاب السعادة والفضيلة كل باسمه وصفته جزيل الشكر وعظيم الثناء.

الحضور الكريم؛

      2018 كانت محطة جديدة من أجل مواصلة التأسيس و من العمل الوطني وأداء الواجب المهني المسؤول .

سنة ألزمتنا بكثير من الحكمة والجرأة من أجل تجاوز عدد من الإكراهات والإشكالات، لتكريس الاستقلال حقيقي للسلطة القضائية.

 استقلال يوطد الثقة.

استقلال يضمن الفصل الواضح للسلط الذي يجب على الجميع القبول به ودعمه كخيار دستوري واقعي دون عرقلة أو تبخيس بعدما نال إشادة عالمية من مختلف دول  العالم.

استقلال بمضامين التوازن والتعاون والمسؤولية .

استقلال يجعل القضاء أكثر قربا وأكثر إنصاتا، أكثر نجاعة وفعالية ، أكثر عدلا وإنصافا.

استقلال من أجل القيم الكبرى التي يقوم على أسسها  هذا الوطن بتاريخه العظيم  ومستقبله الذي يضع خطاه بتبصر وثبات جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده.

سنة 2018 على امتداد ساعاتها وأيامها بذل فيها المجلس الأعلى للسلطة القضائية بكل مكوناته وأعضائه ولجانه وهياكله، مجهودات كبرى  لا تخطئها عين كل متتبع موضوعي من أجل وضع الأسس الصحيحة وإرساء الممارسات الفضلى لمواجهة كل التحديات وتلبية كل الاحتياجات دون هوامش للخطأ أو التقصير.

وهنا لابد من باب العرفان توجيه كل عبارات الشكر والتقدير لكل السيدات والسادة الأفاضل أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية وكل العاملين به من قضاة وأطر وموظفين .

مع شكر وتقدير خاص للسيد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض الذي يعبر دائما عن إرادة حقيقية من أجل خلق أجواء ممارسة سلمية داخل أسرة العدالة قوامها الاحترام والتنسيق والتعاون.

 

 

الحضور الكريم ؛

لا شك أن لغة الأرقام والمعطيات الإحصائيات إن كانت مؤشرا لقيمة العمل المنجز وجودته وآثاره فإنها لن تعبر بكل يقين عن كل الجهود التي حرص المجلس الأعلى للسلطة القضائية على بذلها خلال سنة2018.

سنة حرصنا فيها على الاشتغال من خلال أوراش متعددة متوازية سأعرض أمامكم بعض تفاصيلها وخلاصاتها، لكن تأكدوا أنها كقمة جبل الجليد الذي لا يرى إلا الجزء اليسير منه.

 

واستهل بورش الهيكلة والتخطيط الاستراتيجي: وفيه أذكر بالمحطات التالية:

  • فتحنا باب الترشح لتولي مسؤولية رئاسة الأقطاب والشعب والوحدات من أجل استكمال هياكل المجلس ، وهو ما أتاح لنا انتقاء مجموعة من الكفاءات، ويبقى التحدي اليوم انصهارها في بوثقة واحدة بنفس الرؤية والرسالة والقيم.
  • إنجاز مشروع للمخطط الاستراتيجي للمجلس للعشر سنوات المقبلة، نقوم بتطويره الآن في إطار مقاربة تشاركية تساهم فيها كل مكونات المجلس، مع انفتاح تام على كل الممارسات الفضلى الرائدة عالميا .
  • السهر على استكمال مشروع البناية التي ستسمح لنا بالعمل في ظروف ملائمة تليق بالمكانة الاعتبارية للمجلس وتمكننا من تنفيذ ما نصبو إليه من نتائج.

ثانيا: ورش تكريس الضمانات في تدبير المسارات المهنية للقضاة.

لقد تطلبت منا السنة التي ودعناها عقد أكثر من (36) اجتماعا عاما وساعات طوال من العمل كمجموعات أو داخل اللجان الدائمة أو الموضوعاتية من أجل ضمان تدبير أمثل ومنصف للمسارات المهنية للقضاة.

وقد ظهرت هذه الديناميكية جلية من خلال :

  • العدد الهام للسادة القضاة الذين تمت ترقيتهم بكل استحقاق في مختلف الدرجات والرتب بنسبة استجابة وصلت إلى 95%.
  • فتح التباري بكل شفافية لتقلد مناصب المسؤولية الشاغرة حيث قدم 72 مرشحا برامجهم وتصوراتهم، مما أفرز نخبة من القاضيات والقضاة منهم 17سيتولونها لأول مرة دون أن ننسى التنويه بالنساء القاضيات اللواتي اختيرن بدورهن لتحمل هذه المسؤولية بكل تميز واستحقاق.

 

 

السادة المسؤولين القضائيين؛

إن الرهان معقود عليكم اليوم والأكيد أن ثقتنا كبيرة في قدراتكم ومؤهلاتكم وعزيمتكم لتكونوا المسؤول القضائي الذي يستحقه مغرب التنمية والأرواش الكبرى..

لقد ولى عهد المسؤول الذي يلازم كرسيه ويغلق عليه أبواب مكتبه ، المسؤول القضائي يجب أن يبني جسورا للتواصل ويحصن عمله بالقيم والممارسات الفضلى ويكرس روح الفريق الواحد قضاة وكتابة ضبط ومهني العدالة.

 

السيدات والسادة الأفاضل؛

سنة 2018 عرفت أيضا تدبير المسارات التالية:

* تعيين 218 من القضاة الجدد المنتمين للفوج 41، بمختلف محاكم المملكة، بعدما أدوا اليمين في جلسة رسمية متميزة بمقر محكمة النقض تعبيرا عن تقليد أصيل نكرس به المكانة الواجبة لهذا الجيل الجديد من قضاة المملكة.

* مساهمتنا في تدريب الملحقين القضائيين المنتمين لفوجي 42 و43 الذي يبلغ مجموعهما (280) من أجل  ضخ دماء جديدة وتعزيز الرصيد البشري للسلطة القضائية.

وهنا لا بد من التأكد على أننا لسنا في حاجة إلى " تقنيي قانون" بل إلى شخصية القاضي بحمولاتها وأخلاقياتها، بتكوينها وجرأتها واستقلاليتها وهو ما لم يتحقق للأسف بالشكل المطلوب والمرغوب.

المعهد العالي للقضاء مدعو اليوم إلى الانكباب بكل جدية من أجل إيجاد الحلول والآليات لهذا الإشكال المحوري الذي نوليه الكثير من الحرص والاهتمام، والذي لن يستقيم إلا بإشراف السلطة القضائية على رئاسة المعهد العالي للقضاء .

* حفاظنا على كفاءات قضائية نعتبر خبرتها وصنعتها ثروة يصعب تعويضها أو التفريط فيها، حيث استجاب المجلس لعدد هام من طلبات تمديد سن التقاعد وهو ما يطالبنا بضرورة وضع تصور للمستقبل يضمن توفير الخلف المؤهل لتحمل هذه الأمانة الثقيلة.

* عنايتنا الكبيرة بتظلمات بعض السادة القضاة بخصوص  ترقياتهم  وتعيناتهم التي بلغ عددها 15 واستجبنا بكل تلقائية لعدد منها ممن كان موضوعيا وموافقا للقوانين والأنظمة.

 

 

ثالثا: ورش التخليق. 

لا شك أن السلطة القضائية التي نريدها اليوم، هي سلطة تكون صمام أمان يمنع الانحراف ويقوم الإعوجاج.

سلطة تتفاعل بضمير مسؤول مع التوجهات الملكية السامية لإصلاح العدالة ومكافحة الفساد وحماية المال العام وصون المكتسبات وضمان الحقوق والحريات .

وفي هذا السياق، فقد تم القيام بما يلي :

  • إنجاز  تشخيص دقيق للوضعية القضائية ل29  محكمة منها 11محكمة مختصة، إضافة إلى 14 غرفة تحقيق موزعة على مختلف جهات المملكة.
  • إعداد 97  تقرير للتفتيش  اللامركزي .

 وهنا لابد من التأكيد على السادة المسؤولين القضائيين بالدوائر الاستئنافية بضرورة إيلاء هذا التفتيش اللامركزي كل العناية والجدية ، ومواكبة كل التفاصيل والجزئيات وتتبع ورصد مختلف المؤشرات وقرائتها بحكمة وحرفية وإعداد تقارير موضوعية تساعد المجلس في إنجاح هذا الورش الكبير.

- دراسة ومعالجة (6376) شكاية وإحالتها على الجهات المختصة، فضلا عن إحالتنا ل 198 شكاية على المفتشية تمت دراسة 176 منها.

وهنا لا بد من التأكيد على أنه بقدر حرصنا على تكريس قواعد الشفافية ومبادئ المسؤولية والمحاسبة فإننا بالمقابل لن نتساهل أمام الشكايات الكيدية التي تتم بسوء نية بغرض التأثير أو الضغط والتشويش.

- وقد عرفت سنة 2018 إحالة لأربعة وعشرون (24) قاضيا في إطار مسطرة التأديب بعد دراسة متأنية لتقارير المقررين، في حين تقرر الحفظ في حق 6 آخرين. 

وقد سهرنا في كل هذا على أن تمر الملفات التأديبية للقضاة في إطار من الضمانات الدستورية والقانونية التي تفعل قواعد المسؤولية والتأطير والتخليق والتوجيه والتقويم وتوزعت العقوبات بين العزل  والإنذار وعدم  مؤاخذة قاضيين وتعميق البحث في حق واحد.

اليوم، لا أحد فوق المحاسبة ولا مجال للإخلال بالثقة العامة وعزمنا أكيد على مواجهة كل الحالات الشاذة التي قد تسيء إلى الصورة العامة للقضاء بقدر عزمنا على تشجيع كل الطاقات المبدعة والعلامات المضيئة التي تنير سماء العدالة ببلادنا .

  • وهنا لا بد من التذكير بأننا بصدد وضع اللمسات النهائية لمدونة الأخلاقيات القضائية التي ستؤطر الممارسة القضائية في بعديها الجماعي والفردي، كما سنسهر بكل حزم على صدور قانون جديد ينظم عمل المفتشية العامة للشؤون القضائية وسيساعد على تطوير آليات اشتغالها وفق منهجية ومقاربة عصرية جديدة تساعد على رفع النجاعة والجودة القضائية وتستوعب متطلبات المرحلة.

رابعا: ورش التواصل.

 وهو من المحاور الأساسية التي حرصنا على إيلائها عناية كبيرة بالنظر إلى أن السلطة القضائية لا يمكن أن تكون شأنا خاصا بالقضاة وإنما شأن عام يحق للجميع المساهمة فيه بكل مواطنة.

وفي هذا السياق ؛ فقد عقدنا سنة 2018 لقاءات تواصلية مشتركة مع كل المسؤولين القضائيين وجميع نقابات المحامين بالمغرب والجمعيات المهنية القضائية في جو من الحوار المسؤول لبناء الثقة والانطلاق نحو المستقبل وفق برنامج محدد وآليات عملية ناجعة.

 

خامسا: ورش الديبلوماسية القضائية.

  • حيث استقبلت مؤسسة الرئيس المنتدب هذه السنة عددا كبيرا من رؤساء السلطة القضائية ووزراء وسفراء ومسؤولي المحاكم العليا ووفود عن مؤسسات قضائية وحقوقية واقتصادية، من مختلف قارات العالم ذات ارتباط بمجال العدالة، مع تركيزنا بطبيعة الحال على عمقنا الإفريقي والعربي وجوارنا الأورومتوسطي.
  • وقعنا اتفاقية مع كل من الصين وبلجيكا، وشاركنا في افتتاح السنة القضائية باسبانيا كضيوف شرف وهي كلها كانت مناسبات لعرض التجربة القضائية المغربية وإبراز حجم التحولات الإيجابية التي تعرفها بلادنا في جميع المجالات واستلهام رؤى جديدة وخلق شراكات لتطوير آفاقنا.
  • ثم دعمنا الشخصي لملفات ترشيح قضاة مغاربة ليتولوا مناصب سامية بمحافل دولية كبرى بعد منافسة شديدة مع دول ذات تقاليد عريقة في استقلال السلطة القضائية، حيث نلنا ثقة الدول الأعضاء بمؤسسات من مستوى اليونيسكو ومحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية ومحكمة الاستثمار العربية.

إن فوزنا بهذه المناصب المتميزة خلال هذه السنة جاء لتأكيد المكانة التي يحظى بها المغرب عالميا كتجربة متفردة ذات آفاق كبرى.

تقدير بدى جليا أيضا من خلال توشيح مملكة بلجيكا لرئاسة المجلس بأعلى وسام شرفي وهو وسام ليوبولد 2  اعتبارا للمجهودات الكبرى المبذولة في مجال التعاون القضائي الدولي.

وهي كلها مؤشرات تعبر عن ثقة دولية نعتز بها وهي رسالة واضحة لكل من يريد بكل أسف عرقلة هذه التجربة داخليا وتبخيس  مجهوداتها.

لكننا مصممون بكل عزم على مواصلة المسيرة بنفس الصدق والوطنية والإصرار ، مؤمنين بأن هذه العراقيل لن تزيدنا إلا يقينا بأننا نسير بخطوات ثابتة في الاتجاه الصحيح.

سادسا:ورش الشراكة.

وهنا لا بد أن نسجل ما يلي:

أولا: لا بد أن نعلنها بكل صراحة، لم نلمس وجود مقاربة تشاركية فعلية في العديد من المحطات والمناسبات، فرغم  تجاوب المجلس الأعلى للسلطة القضائية مع كل المبادرات التي توصلنا بها من أجل تجويد النصوص وتكريس الأمن القانوني حيث قمنا بتشكيل لجان لدراسة مشاريع القوانين المتعلقة بالمسطرة المدنية والمسطرة الجنائية والتحكيم والوساطة الاتفاقية والطب الشرعي، إلا أن عددا من هذه المبادرات لم تأخذ اقتراحاتنا - المبنية على تجربة كبيرة وممارسة عملية - بالجدية والموضوعية المطلوبة.

 فضلا عن أن العديد من مشاريع القوانين التي تهم الشأن القضائي لا نتوصل بها و لا تتم إحالتها علينا مما سيحول بكل يقين من التوفر على رؤية عملية متكاملة التي ستدعم بكل تأكيد دولة الحق والمؤسسات وتتيح للقضاة تطبيق نصوص أكثر دقة ومهنية وإنصافا.

ثانيا: ومساهمة منا في الحقل المعرفي القانوني والمهني ،  فقد فتحنا خلال سنة 2018 مجالات واسعة لقضاتنا حيث أعطى 120 منهم دروسا ومحاضرات بمختلف الجامعات والمعاهد بالمملكة وهم في ذلك يساهمون في تكوين عملي متين لطلبتنا ويؤهلونهم لخوض غمار الحياة المهنية بكل يسر وسلاسة، كما أطر 238 قاض عددا من الدورات التكوينية والأيام الدراسية والندوات العلمية، فضلا عن المشاركة الوازنة ل 44 قاض في مؤتمرات ولقاءات دولية إضافة إلى مشاركة 9 قضاة في برامج إعلامية مختلفة.

ثالثا: تعييننا  ل 35 قاضيا لعضوية بعض المجالس واللجان أو رئاستها أذكر منها المجلس الوطني للصحافة وهيئة أطباء الأسنان الوطنية واللجنة التي تشرف على امتحان الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة  ولجنة امتحانات الملحقين القضائيين وغرفة التحكيم الرياضي، فضلا عن القضاة الملحقين بعدد من الوزارات والسفارات والمؤسسات الوطنية.

رابعا: الفقه القضائي تعزز بإنتاج 36 قاض لإصدارات قانونية متميزة، إضافة إلى المقالات والدراسات الغريزة لعدد كبير من القضاة المنشورة بالمجالات الورقية والالكترونية الرصينة، هذا دون إغفال المساهمة السنوية الكبيرة لمحكمة النقض في إنتاج المعرفة القضائية من خلال إصداراتها المتنوعة التي وصلت إلى معدل يفوق إصدار ا واحدا عن كل شهر، وفتحها لأبوابها أمام كل الباحثين والطلبة الذين وصل عددهم هذه السنة إلى حوالي (12735) زائر.

وهذا ما يفسر الإقبال الكبير الذي يعرفه رواق السلطة القضائية بالمعرض الدولي للكتاب الذي شهد سنة 2018 لقاءات علمية تواصلية مفتوحة بين عموم الجمهور ورؤساء غرف محكمة النقض ، وهي مناسبة ادعوا فيها الجميع إلى تشريفنا بزيارة رواقنا بالمعرض هذه السنة والإطلاع بالملموس على كل هذه الجهود، والحضور لفعاليات الندوة التي ستنظمها بالمناسبة تحت عنوان: " القضاء ضمانة للحقوق والحريات " .

 

الحضور الكريم؛

تفاصيل كثيرة لا يسمح الحيز الزمني بعرضها وتحليلها، لكن ما بسطناه باقتضاب يؤشر على إرادة حقيقية من أجل خلق دينامية جديدة وإعطاء انطلاقة صحيحة فعلية لورش التأسيس.

شرف التأسيس الذي يلزمنا بكثير من التضحية ويفرض علينا الصبر من أجل تغيير العقليات والممارسات لتستوعب المستجدات وتتأقلم مع التغيير وتنكب على العمل والمشاركة الايجابية دون تبخيس أو عرقلة أو تشكيك .

 نحن اليوم في موعد مع التاريخ لن نخلفه، وأيدينا ستكون دائما ممدودة لكل المقترحات الجادة وأبوابنا مفتوحة لكل الآراء والانتقادات والملاحظات دون إساءة أو تطاول أو تدخل غير مقبول، وهي أمور تعد خطا أحمر لن نتساهل في مواجهتها حفاظا على  أخلاقيات هذا المشروع المجتمعي الكبير.

الحضور الكريم؛

لقد كان اختيارنا هذه السنة لشعار " القضاء ضمانة للحقوق والحريات" مستندا على معطيات وأرقام واجتهادات قضائية متميزة تعبر بكل جلاء عن فلسفة ومضمون هذا الشعار .

فقضاة محاكم الموضوع بالمملكة البالغ عددهم (2791) قاضيا أصدروا سنة 2018 (3.172.202) حكما أي بزيادة قدرها 16% مقارنة بالسنة الماضية، ووصل متوسط المحكوم عند كل قاض إلى (1137) حكما في السنة أي بزيادة قدرها 18% .

كما سجلت سنة 2018 زيادة في نسبة القضايا المسجلة بهذه المحاكم تقدر ب 17.5% وانخفض الرائج بنسبة 1.5%مقاربة بسنة 2017 .

أما على مستوى محكمة النقض ، فقد استطاعنا خلال سنة 2018 تحقيق نتائج مهمة متميزة رغم كل الإكراهات حيث سجلنا تزايد كبير في نسبة القضايا المسجلة بالمحكمة وصل إلى 80 % ما بين سنتي 2011 و 2017 وهو رقم بقدر ما يؤشر على إقبال المتقاضين المتزايد وثقتهم الكبيرة في عدالة ونجاعة محكمة النقض ، إلا أنه يدعو إلى ضرورة الإسراع بالاستجابة لمطلبنا في وضع حواجز قانونية تمنع الطعون في عدد من القضايا البسيطة التي تستهلك كثيرا من الجهد.

كما سجلنا ثباتا في تزايد نسبة المحكوم الذي وصل سنة 2018 إلى (39911)قرارا ، ثبات في المردود رغم  النزيف الذي تعرفه محكمة النقض  بمغادرة عدد هام من قضاتها بسبب التقاعد، ودخول جيل جديد من القضاة لرحابها الذين يجب أن يمنح لهم الوقت الكافي للاندماج في ديناميكية عمل وصنعة قضاء النقض.

  ورغم كل هذا، فقد استطعنا أيضا تفعيلا للحق الدستوري المتعلق بالتقاضي داخل أجل معقول  أن نصل إلى نسبة 73 % من القضايا يتم البت فيها داخل أجل أقل من سنة .

وهي أرقام في مجموعها لا تحتاج إلى دليل لكن في تفاصيلها وجزئياتها تطالبنا بإعمال الكثير من الدراسات والتحليلات ومنها ضرورة الاهتمام بخلية الإنتاج القضائي الأولى ،وهي المحاكم الابتدائية التي تصل إلى حوالي 84.6 % من مجموع القضايا المسجلة بمختلف الدرجات.

اهتمام بالعنصر البشري من مسؤولين قضائيين وقضاة خاصة وأنهم من الجيل الجديد، الذي يحتاج الكثير من الدعم والتشجيع والعناية بأطر وموظفي كتابة الضبط العمود الفقري للعدالة وإيجاد إمكانات إدارية ومادية تلبي شروط النجاعة القضائية والحكامة الإدارية.

ولهذا فإننا لا نزال نصر على ضرورة التحلي بالموضوعية عند التفكير في تدبير العلاقات داخل المحاكم، وتنظيم آليات الاشتغال بين كافة مكونات الفعل القضائي من أطر وموظفين وخبراء وضابطة وكافة مهنيي العدالة.

علاقات يجب أن تتسم بالتعاون الحقيقي والتضحية وروح الفريق ،وحل المشاكل بعيدا عن الانتماءات أو الميولات التي لا مكان لها داخل جسم الأسرة الواحدة أسرة العدالة والقضاء وبعيدا عن المزايدات .

إن القاضي لا يعلن إلا نتيجة عمل الآخرين ولكن للأسف يحمله البعض هذه النتيجة لوحده، ونحن لن نقبل أن تعلق الأخطاء والتجاوزات على مشجب القضاء.

لن يكون هناك أي تطوير لمرفق العدالة دون إصلاح جذري عميق موضوعي لكل المهن القضائية وهنا لابد من الإشارة إلى أنني كلفت أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية بإعداد دراسات لتشريح وضعية هذه المهن وتقديم اقتراحات وتصورات بشأنها، وعزمنا أكيد على المساهمة في هذا الورش بكل الجدية المطلوبة.

 

الحضور الكريم ؛

لا شك أن المتتبع للعمل القضائي سيرصد بكل وضوح الحمولة الحقوقية التي نحاول بلورتها وتجسيدها من خلال قرارات مبدئية تكرس الحماية القضائية للحقوق والحريات وتجسد الانخراط الحقيقي للقضاة في مسيرة الإصلاح بمقاربة واقعية مقاصدية تستهدف تحقيق الأمن القانوني والقضائي.

  • وفي هذا السياق، وتكريسا للمكانة الدستورية التي أصبحت للاتفاقيات الدولية في النسق التشريعي الوطني، فقد اعتبرت محكمة النقض، أن نقل الطفل من مكان إقامته الأصلية بالخارج إلى المغرب يعد مخالفة لاتفاقية لاهاي الخاصة بالجوانب المدنية للاختطاف الدولي للطفل.
  • وتطبيقا لما أقره الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ومنها المادة 14 منه والتي تقر بمنح فرصة دفاع المتضرر عن حقه، اعتبرت محكمة النقض أن المشغلة بإقدامها على مباغثة الأجيرة بالاستماع إليها حول المنسوب إليها من أخطاء، دون تمكينها من كافة الضمانات التي يكلفها لها القانون من إتاحة الفرصة لها للدفاع عن نفسها كي تكون على علم وبينة منه مع إحضار مندوب الأجراء لمواجهة ما سيطبق عليها من عقوبات ضمانا لحقوق الدفاع، يجعل مسطرة الفصل التأديبي غير سليمة.
  • كما أنه تكريسا لمبدأ المساواة في مختلف الحقوق الإنسانية، وحظر كافة أشكال التمييز، اعتبرت محكمة النقض أن عقد الشغل المبرم بين أجير أجنبي ومشغلته يكون غير محدد المدة متى ثبت تجديده كل سنة استنادا إلى مقتضيات اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 111 بخصوص مبدأ عدم التمييز في الاستخدام والمهنة، التي تمنع التمييز بسبب الجنسية في مجال التشغيل، وتحث على المعاملة بالمثل.
  • وفي نفس السياق تفعيلا لمبدأ المساواة في الحقوق، فقد أيدت محكمة النقض الحكم الذي قضى بحقوق الإناث في الاستفادة من الإرث ومنافعه بخصوص الأراضي السلالية استنادا على عمومية صياغة الفصل 6 من الضابط المتعلق بتقييم الأراضي الجماعية المؤرخ في 3/11/1997.
  • وضمانا للقواعد الدستورية، فقد أرست محكمة النقض العديد من المبادئ في عدد من النوازل أذكر منها:
  • تكريس محكمة النقض لمبدأ الحق في التقاضي كمبدأ أساسي لا يجوز المساس به، حيث أكدت عدم حصانة أي قرار إداري من الخضوع للرقابة القضائية وأن دعوى الإلغاء يمكن أن توجه ضد أي قرار إداري دونما حاجة إلى نص قانوني صريح يجيزها ورغم وجود مقتضى يحضرها.
  • في مجال الحق في المحاكمة العادلة وضمان حقوق الدفاع، وتكريسا لقرينة البراءة، فقد اعتبرت محكمة النقض أن قضاء محكمة الموضوع بالبراءة بعلة أن مجرد الاشتراك في خدمة الانترنيت، لا يفيد علم المشترك باستغلاله في الاختلاس الدولي للمكالمات، ورتبت على ذلك انتفاء عناصر المشاركة في الأفعال المنسوبة إليه، تكون بذلك قد أبرزت دواعي عدم اقتناعها، وأعملت الأصل وهو البراءة.
  • وفي سياق ضمان محاكمة عادلة بالمساطر التأديبية، أكدت محكمة النقض أن سلوك الإدارة للمسطرة التأديبية في حق الموظف الذي كان رهن الاعتقال دون انتظار البت في وضعيته بمقتضى حكم نهائي حاز لقوة الشيء المقضي به، يجعل المسطرة تتسم بعدم المشروعية لتعذر توصله بالإنذار للعودة للعمل ولعدم إمكانية استخلاص أنه كان في وضعية الترك العمدي للوظيفة.
  • وضمانا لحقوق الدفاع أمام المحاكم، وحرصا على تمثيل المؤسسات العمومية وشبه العمومية ومؤازرتها من طرف محام، اعتبرت محكمة النقض أن الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية ومعها مصالحها الخارجية تعتبر مؤسسة عمومية، تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، وبالتالي فهي غير معفاة من الاستعانة بمحام لتمثيلها أمام المحاكم.
  • كما أنه حرصا على ضمان تمتيع الأجير بحقه في الدفاع عن نفسه وفق مدونة الشغل، أكدت محكمة النقض أن المشغلة ملزمة قبل فصلها للأجير أن تتيح له الفرصة للدفاع عن نفسه، وذلك بتوجيه استدعاء له يتضمن البيانات الكافية ضمانا وصيانة لحقوق دفاعه، معتبرة أن الاستماع إليه من طرف المشغلة بشكل مفاجئ  ودون استدعاء، يتعارض مع حقه في الدفاع عن نفسه، ويجعل الفصل الذي تعرض له الأجير متسما بالتعسف يستحق عنه التعويض.
  • وضمانا لاحترام المسطرة التواجهية في التقاضي بين جميع الخصوم، اعتبرت محكمة النقض أن استدعاء الأطراف وإخبارهم بتاريخ انعقاد الجلسة، يعتبر إجراء مسطريا جوهريا يترتب عن الإخلال به المساس بحقوق الدفاع، واعتبار الحكم الذي سيصدر مخالفا للقانون.
  • كما أنه تكريسا لحق المتهم في أن يدافع عنه محام أمام القضاء، أكدت محكمة النقض على ضرورة إشعار المتهم بحقه في اختيار محام للدفاع عنه، وإذا عجز عن ذلك، وجب تعيين محام لمؤازرته في إطار المساعدة القضائية.
  • وتأطيرا لدور القضاء، فقد أكدت محكمة النقض أن المحكمة لا يمكنها أن تتقمص دور المشرع التنظيمي وتخلق قاعدة قانونية جديدة واعتبرت تبعا لذلك الحكم الذي قضى بتسوية الوضعية الإدارية لمفتش رئيس بعثة وحصوله على التعويضات والمكافآت المقررة في هذا الإطار، قد تجاوز ما هو منصوص عليه قانونا ومدد آثار مقتضيات قانونية على وضعية غير الوضعية المعنية بها.
  • وتأكيدا على سلطة القضاء في إجراءات التنفيذ، فقد اعتبرت محكمة النقض أن سلطة الإدارة في إصدار قرار منع أو رفض تسخير القوة العمومية لتنفيذ أحكام القضاء يبقى خاضعا لرقابة القضاء الذي عليه التأكد من الأسباب المعتمدة وهل تشكل فعلا تهديدا للنظام والأمن العامين.
  • وضبطا لمناط الاختصاص، اعتبرت محكمة النقض القرارات الصادرة عن وزير العدل باعتباره رئيسا للنيابة العامة التي تعد جزء من الجهاز القضائي ) قبل التعديل( في إطار الفصل 382 ق م م بسبب تجاوز القضاة لسلطاتهم، تعتبر قرارات قضائية تطبق في شأنها المساطر القضائية وتخرج عن الاختصاص النوعي للقضاء الإداري.
  • وربطا للمسؤولية بالمحاسبة، وضمان سيادة القانون على الجميع، اعتبرت محكمة النقض أن خضوع إدارة التعاون الوطني كمؤسسة عمومية لوزارة التضامن الوطني والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، لا يلزم هذه الأخيرة بتحمل المسؤولية عن أعمالها غير المشروعة، مادام أن الإدارة المعنية بالاعتداء المادي ذات شخصية اعتبارية واستقلال مالي.
  • وفي إطار فرض احترام الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء، اعتبرت محكمة النقض أن ثبوت الحيازة المادية للمشتكي بمقتضى محضر تنفيذ لحكم قضائي يعتبر سندا للحيازة الهادئة للعقار، وأن منعه من طرف المتهم بقصد حرمانه من التصرف والاستغلال، يعد وجها من أوجه القوة أو العنف يغني عن دراسة باقي العناصر من خلسة أو تدليس.
  • وتكريسا لدور محكمة النقض في حماية المال العام، فقد قررت أن دعوى الجمارك هي دعوى مستقلة عن الدعوى العمومية الخاصة بجرائم الحق العام، وأن المشرع خول لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة حق تحريكها لاستخلاص الجزاءات المالية مباشرة، مادام أنه لم يصدر في حق المتهم أي حكم حائز لقوة الشيء المقضي به بخصوص الجنحة الجمركية موضوع المتابعة.
  • وتحقيقا للعدالة الإجرائية في تحصيل الديون العمومية، باعتبارها الوسيلة الشكلية لضمان مسطرة استيفاء الحقوق بشكل سليم، اعتبرت محكمة النقض أن عدم احترام مسطرة مراجعة الضريبة للإجراءات المتطلبة قانونا يعد خرقا للمسطرة التواجهية، وأن أي إخلال أو تقصير من الجهات المكلفة بتبليغ الرسالة الثانية إلى الملزم، لا يمكن تحميل وزره للملزم طالما أنه يكفيه التمسك بعدم التوصل بالإشعار، وأن الإدارة الضريبية الباعثة هي التي لها الصفة والصلاحية لمساءلة الجهات المكلفة بالتبليغ عن عدم القيام بواجبها.
  • وتفعيلا للأمن الأسري، وتكريسا للطابع المعيشي والاجتماعي للنفقة، قررت محكمة النقض أن الحكم باقتطاع النفقة المحكوم بها من منبع الريع أو الأجر لا يتوقف على ثبوت تقاعس المحكوم عليه عن الأداء، وإنما يحكم به بدون قيد أو شرط.
  • وفي إطار ضمان توثيق العلاقة الزوجية بالنظر لما يترتب عنها من آثار تتعلق بالنسب وغيره، اعتبرت محكمة النقض أن عدم منازعة المطلوب في دعوى الزوجية في التزامه الكتابي بتوثيق الزواج، يعتبر إقرارا منه بالعلاقة الزوجية لتطابق الإيجاب والقبول المعتبر ركنا في الزواج، ويغني عن إبراز حالة الاستثناء الواردة في المادة 16 من مدونة الأسرة.
  • وحماية للأموال المكتسبة أثناء قيام العلاقة الزوجية، أكدت محكمة النقض على وجوب إثبات ما عمله الطرف المدعي وما قدمه من مجهود وما تحمله باعتباره شريكا في العقار المطالب بحصة منه، عملا بقواعد الإثبات العامة التي يتعين الرجوع إليها كلما انتفى الاتفاق بين الطرفين.
  • وحماية لحقوق الطفل، فقد اعتبرت محكمة النقض أن العقوبة الحبسية في حق الأحداث الجانحين تعتبر استثنائية، وأن اللجوء إلى هذه العقوبة في حق الحدث يستلزم تعليلا خاصا قصد إبراز الدواعي والأسباب التي جعلتها ضرورية لظروفه أو شخصيته، بدلا من التدابير المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية التي تعتبر مقتضياتها من النظام العام.
  • ورعيا منها للمصلحة الفضلى للطفل المحضون، قررت محكمة النقض عدم جواز تعديل نظام الزيارة والحضانة، ما دام أن ارتباط المحضون بالأم الحاضنة لازال قويا لدرجة لا يمكن فراقه عنها في البلد، فبالأحرى أن يتم السفر به خارجه.
  • وتكريسا للحق في الشغل ، فقد قررت محكمة النقض أن كل شرط من شأنه أن يمنع أو يحد من مباشرة الشخص لحقه في الشغل يكون باطلا ويؤدي إلى بطلان الالتزام الذي يعلق عليه فالمشغل الذي اكتفى بتحديد المدة الزمنية التي يمنع على الأجير مزاولة نشاطه خلالها بعد انتهاء العقد وجعل المنع مطلقا من حيث المكان فإن هذا التصرف يفرغ العقد من محتواه في هذا الخصوص لأنه غير منشىء على وجه صحيح.
  • وحفظا للأمن الصحي، أكدت محكمة النقض أن غياب الشروط الصحية لحفظ وسلامة الأجراء داخل المخبزة يشكل خطرا على صحة المستهلك، وفي نفس الوقت المس بسلامة الأجراء وصحتهم وكرامتهم أثناء الاشتغال، واعتبرت رفض الأجير للعمل ومغادرته له رغم إنذار المشغل باتخاذ تدابير لازمة تخص الإصلاحات من طرف الجهة المعنية لا يجعل من مغادرته تلك مغادرة تلقائية.
  • وحماية لمرفق الصحة العمومي من نزيف الأطر الصحية وضمانا لجودة الخدمات الصحية، استقر عمل محكمة النقض على أن للإدارة السلطة التقديرية التامة في قبول أو رفض استقالة الطلبة الخارجيين والداخليين والمقيمين بالمراكز الاستشفائية تبعا لما تقتضيه المصلحة العامة ولسد الخصاص الحاصل في الأطر الطبية بمرافق الصحة العمومية.
  • وتخليقا لمجال الممارسة الطبية، قررت محكمة النقض أن كراء جزء من مصحة إلى فريق من الأطباء لمزاولة اختصاص ذو طبيعة طبية يقتضي الحصول ابتداء على ترخيص من الأمانة العامة للحكومة، وأن عدم توفر هذا الفريق الطبي على مثل هذا الترخيص من شأنه أن يؤثر على المصحة ككل بتوقيف نشاطها كلية، ويرتب مساءلتها .
  • وتكريسا للأمن البيئي، اعتبرت محكمة النقض أن المشغلة لم تنه علاقة الشغل بإرادتها المنفردة، بل إن توقيف إنتاج الأكياس البلاستيكية كان امتثالا لإرادة المشرع، وهو ما يعتبر تطبيقا لنظرية فعل الأمير، ويبقى كل تعويض عن الضرر الذي تعرض له الأجير، من جراء هذا الإجراء الخارج عن إرادة المشغل، على غير أساس.
  • وضمانا للأمن العقاري، باعتباره دعامة أساسية للاستقرار والاستثمار، وتحصينا للرسم العقاري من أي طعن، فقد اعتبرت محكمة النقض أنه لا مجال للتمسك بمقتضيات الفصل 118 من الدستور للطعن في قرار المحافظ على الأملاك العقارية بتأسيس الرسم العقاري، ما دام المشرع قد أضفى صفة مطلقة على مبدأ التطهير، وخول للمتضررين في حالة التدليس فقط أن يقيموا على مرتكب التدليس دعوى شخصية بأداء التعويض.
  • وفي نفس السياق وضمانا لعدالة عقارية، تحمي الممتلكات، وتكرس الثقة في الرسم العقاري، أكدت محكمة النقض مشروعية موقف المحافظ على الأملاك العقارية الرامي إلى رفض تقييد عقد البيع بالرسم العقاري، بعلة عدم صحة عقد الوكالة المعتمدة في إبرام عقد البيع المطلوب تقييده، ما دام أن المشرع أوكل إليه صلاحية مراقبة صحة الوثائق تحت مسؤوليته الشخصية.
  • وتجسيدا لحماية أراضي الجماعات السلالية في بعدها الاجتماعي والاقتصادي، اعتبرت محكمة النقض أن الغاية من الإذن بالترافع لنائب الجماعة السلالية هي إطلاع الجهة الوصية ولا يعد هذا الإذن شرطا لتحريك الدعوى العمومية التي تبقى للنيابة العامة السلطة الكاملة في إقامتها إلا ما أستثني بنص القانون.
  • وحماية لحقوق الملاّك في إطار نظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية، أكدت محكمة النقض على أن المرجع في تحديد الغرض المعدة له أجزاء العقار المفرزة والمشتركة، وشروط استعمالها هو نظام الملكية المشتركة، وبالتالي فلا يجوز فرض قيود على حقوق الملاك المشتركين في الأجزاء المفرزة لكل واحد منهم، باستثناء ما يتعلق بتخصيص العقار المشترك وبخصوصياته وموقعه.
  • وفي مجال بيع العقارات في طور  الإنجاز ورغبة في مواجهة الاختلالات الحاصلة بالبيوعات العقارية، اعتبرت محكمة النقض عقود البيع الابتدائي غير المحررة من طرف الجهة المنصوص  عليها قانونا باطلة وغير منتجة لأي أثر.
  • وتكريسا لضمانات الأمن الاستثماري الدولي، قررت محكم النقض مسؤولية البنك الوطني الموجه له الأمر بالتحويل عن أخطاء البنوك الأجنبية التي تحل محله في تنفيذ ذلك الأمر سواء اختارها لذلك أم لا مع حفظ حقه في الرجوع على هذه الأخيرة، وهو ما يعزز الضمانات المقررة قانونا لحماية عمليات تداول الأموال.
  • وتشجيعا ودعما لمؤسسة التحكيم التجاري، فقد أيدت محكمة النقض قضاء محكمة الموضوع التي امتنعت عن مراقبة قناعة الهيئة التحكيمية، فيما استخلصته من الوقائع والوثائق، استنادا على مبدأ سمو إرادة المتعاقدين وتضييقا لمفهوم النظام العام كما ذهب إلى ذلك القضاء المقارن.

هذه نماذج لبعض قرارات وتوجهات محكمة النقض التي سمح الحيز الزمني الضيق استعراضها ، وتلزمنا بالتنويه عاليا بقضاتنا الأجلاء وبحرصهم على أداء الأمانة بكل ضمير وإخلاص، فلهم منا عظيم التقدير وعظيم الامتنان.

كما أوجه كل عبارات التنويه والتقدير لكافة أطر وموظفي كتابة الضبط الذين يعدون أساس نجاح العمل القضائي والإداري في شخص رئيس كتابة الضبط.

كما أغتنم هذه المناسبة لنكرس قيم الوفاء والاعتراف بالفضل لأهله، قضاة أفذاذ ومدارس في الصناعة العلمية والفقهية قضاتنا الرواد الذين غادروا قاعات المحاكم ومنهم من غادرنا إلى دار البقاء، لكنهم ما غادروا قط وجداننا فلهم منا صادق الدعاء بأن يتقبل الله منهم صالح أعمالهم ويجازيهم الجزاء الأوفى.

وفي ختام هاته الكلمة اسمحوا لي أن أعبر لكل الأسرة القضائية ، قضاة وموظفين، كل باسمه وصفته، عن شكري وتقديري لكل ما بذلوه طيلة السنة من مجهودات كبيرة وما أبانوا عنه من إخلاص وعطاء بروح الفريق الواحد مستهدفين رضى الله وخدمة هذا الوطن، وأدعوهم إلى مواصلة المسيرة بنفس العزيمة والإصرار على الرقي.

يقول عز وجل في محكم كتابه: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) .    صدق الله العظيم.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

العنوان

زنقة الرياض، قطاع 16 حي الرياض، ص.ب 1789 الرباط

الهاتف
  • +212 537 73 95 40/41
  • +212 537 72 13 37
البريد الالكتروني الخاص بالأمانة العامة للمجلس

sg@cspj.ma

الهاتف الخاص بالشكايات
  • +212 537 91 93 05