بسم الله الرحمان الرحيم
سلام تام بوجود مولانا الإمام دام له النصر والتمكين ،
اسمحوا لي أن أعرب لكم عن اعتزازي بدعوتكم الكريمة للمشاركة بأشغال هذا اللقاء المتميز الذي اخترتم له موضوعا ذي أهمية بالغة وراهنية كبرى ويثير الكثير من الأسئلة والمقاربات ويلزمنا بالجرأة والموضوعية والتبصر.
موضوع حمال أوجه ذي أبعاد دستورية وحقوقية وقانونية وقضائية كبرى لها ارتباط وثيق بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية وبأمن المجتمع واستقراره.
فكل الشكر والتقدير لمن ساهم في إعداد هذا اللقاء الذي يعبر عن إرادة جادة من أجل تكريس مقاربات تشاركية حقيقية بخصوص المواضيع الكبرى للوطن
والشكر موصول لكل المتدخلين الذي سيساهمون بكل تأكيد في طرح رؤى عملية واقتراحات ناجعة ستساعد في بلورة نص جنائي متكامل ملائم يكون في مستوى الانتظارات.
الحضور الكريم؛
" أي فلسفة جنائية لأي واقع اجتماعي؟" سؤال تأصيلي عميق تتفرع عنه العديد من الأسئلة التي تختلف الإجابات والمقاربات والتحليلات بشأنها لكنها تتوحد جميعا في أنها تعبر عن وعي جماعي بضرورة مراجعة شاملة لنص القانون الجنائي الذي عمر منذ سنة1962 وأصبح متجاوزا وغير ملائم لمغرب دستور 2011 وللاتفاقيات الدولية التي صادق عليها.
المغرب الذي عرف تحولات إصلاحية كبرى لم يعد باستطاعة هذا القانون مواكبتها ولا الانسجام مع منظومتها الفكرية والحقوقية والمجتمعية.
تحولات وطنية ودولية تطالبنا اليوم بقراءة مشروع القانون الجنائي وخياراته وحلوله برؤية استشرافية تنطلق من قناعات أساسية أولها وهي أننا سنشرع لعشرات السنوات القادمة، للأجيال المقبلة وهو ما يقتضي إيجاد نصوص تتسم بالديناميكية والتطور، نصوص تعكس قدرتنا على التوقع والاستباق لاحتواء الأزمات وضمان الحقوق والحريات وتكريس القيم المجتمعية التي قد تكون محط تهديدات، اعتداء.
وثانيها أننا ملزمون بوضع نص قانوني ملائم لأحكام الدستور وفلسفته وللمضامين الحقوقية للاتفاقيات الدولية المصادق عليها، ولتوصيات الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة باعتبارها نتاج عمل وطني تشاركي كبير.
أما ثالث هذه الأسس فهو عدم اختزال النقاش في بعض القضايا المثيرة للتجاذب بل يجب التعامل مع الموضوع في أسسه وأصوله الكلية من خلال مقاربة شاملة حديثة تستحضر ضرورة التأسيس لعدالة جنائية بأولوية محاربة الجريمة ورصد تحولاتها ومظاهرها الجديدة والتفكير في تطوير النظام العقابي ونجاعته.
عدالة جنائية تساهم في بناء دولة الحق والمؤسسات وضمان الأمن للأفراد والجماعات وإيجاد التوازن بين الحقوق في ظل محاكمة جنائية عادلة داخل آجال معقولة.
أما الأساس الرابع فهو التوفر على رؤية متكاملة منسجمة بين قواعد المسطرة الجنائية ونصوص القانون الجنائي، إذ لا غنى للقواعد الموضوعية من ضمانات إجرائية ومسطرية تواكبها بنفس الفلسفة والروح الحقوقية .
إننا إذن أمام محطة تشريعية تأسيسية تاريخية وامتحان حقوقي دقيق يطالبنا بكثير من التبصر والحكمة والمسؤولية الوطنية.
الحضور الكريم؛
لا شك أن الموضوعية تقتضي التنويه بالعديد من المستجدات التي جاء بها مشروع القانون الجنائي كإجابات وحلول للتحولات التي تعرفها بلادنا على مختلف المستويات.
مستجدات من قبيل إدراج جرائم جديدة لمحاربة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وإرساء العقوبات البديلة للعقوبات السالبة للحرية وتشجيع العدالة التصالحية مع التركيز على تعزيز حماية الأسرة وضمان حماية المرأة والطفل ومحاربة الفساد وإرساء مبادئ الشفافية والنزاهة فضلا عن المقتضيات التي تروم النهوض بدور القضاء وتعزيز استقلاليته ونزاهته.
لكن الأساس يبقى الضمير المسؤول الذي أكد عليه جلالة الملك محمد السادس نصره الله في خطابه السامي بمناسبة عيد العرش المجيد سنة 2013، الضمير المسؤول الذي سيكون معنيا بتفعيل وتطبيق نصوص هذا القانون من طرف مختلف مهني العدالة ومن مؤسسات ذات ارتباط بالعدالة الجنائية وبالظاهرة الإجرامية.
وهنا لا بد من التنويه بالدور الهام الذي يؤديه قضاتنا حيث كان لهم دور كبير في تكريس العديد من المبادئ والاجتهادات القضائية التي عملت على ضمان الأمن وصيانة الحقوق والحريات وتكريس الضمانات سواء أثناء البحث التمهيدي أو أثناء المحاكمة.
مبادئ نرى ملامحها وأثرها في صياغة عدد من مواد هذا المشروع الجنائي والتي تجعلنا نؤكد على أهمية مد الجسور بين السلط وخلق آليات متعددة للتعاون والتواصل خدمة للمواطن وللقضايا الكبرى للوطن.
كما يحب التأكيد على أن النصوص القانونية مهما كانت جودتها ودقتها فإن لها حمولة لوجيستيكية وبنية تحتية ملائمة يجب توفيرها حتى تكون قابلة للتطبيق من طرف القضاة المسؤولين عن تفعيلها بشكل عادل.
إن العدالة الجنائية اليوم تطالب جميع المتدخلين بالانخراط الجدي في أجرأة مضامينها وهو ما يلزمنا بتأهيل المكلفين بإنفاذ القانون من خلال التكوين الجاد والمراقبة المسؤولة حتى تؤدي هذه النصوص الآثار الإيجابية المرجوة منها في خضم كل المتغيرات التي يعرفها العالم.
إننا إذن أمام مسؤولية وطنية ورهان كبير يجب أن نكسبه حماية لحقوق الأجيال القادمة.
الحضور الكريم؛
لي اليقين أن مثل هذه اللقاءات التي تضم خيرة من الأكاديميين والمهنيين والممارسين والحقوقيين ستشكل إضافة نوعية لتجويد منظومتنا التشريعية لتكون في مستوى الانتظارات.
أجدد لكم شكري وامتناني مؤكدا لكم أن السلطة القضائية ستكون دائما أبوابها مفتوحة أمام كل المقاربات التشاركية الجادة.
كل التوفيق والسداد لأشغال لقائكم.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
زنقة الرياض، قطاع 16 حي الرياض، ص.ب 1789 الرباط
sg@cspj.ma