موجب الإحالة: الإخلال بالواجب المهني ومخالفة قواعد الشرف والأخلاقيات 05/03/2024
ثبوت الفعل التأديبي المنسوب للقاضي بحكم جنائي نهائي يمنع إعادة مناقشته من جديد أمام المجلس إعمالا للحجية الثبوتية للأحكام في إثبات الوقائع
قضية السيد: (س)
القاضي بالمحكمة الابتدائية ب***
مقرر عدد:
أصل المقرّر محفوظ بالأمانة العامة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية
بتاريخ 24 شعبان 1445 ه الموافق ل 05 مارس 2024
إن المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وهو يبت في القضايا التأديبية برئاسة السيد: مَحمد عبد النباوي بصفته رئيسا منتدبا للمجلس وبعضوية السادة: مولاي الحسن الداكي – أحمد الغزلي– محمد زوك – محمد الناصر – خالد العرايشي – عبد الله المعوني – سعاد كوكاس – الزبير بوطالع- عبد اللطيف طهار – عبد اللطيف الشنتوف – يونس الزهري – عثمان الوكيلي- - أمينة المالكي-نزهة مسافر.
بحضور السيد منير المنتصر بالله الأمين العام للمجلس في اجتماع المجلس ليومه؛
بناء على دستور المملكة ولاسيما الفصل 113 منه؛
وبناء على مقتضيات القانون التنظيمي رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.16.40 بتاريخ 14 جمادى الثانية 1437 (24 مارس 2016)؛
وبناء على مقتضيات القانون التنظيمي رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.16.41 بتاريخ 14 جمادى الثانية 1437 (24 مارس 2016)؛
وبناء على النظام الداخلي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية المنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 09 نونبر 2017؛
ملخص الوقائـع
توصلت المفتشية العامة للشؤون القضائية بمذكرة من السيد الأمين العام للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، مفادها أنه تقرر إيقاف السيد (س) القاضي بالمحكمة الابتدائية ب***، عن عمله بصفة مؤقتة مع إيقاف راتبه باستثناء التعويضات العائلية، وذلك بناء على متابعة جنائية جارية ضده بمحكمة الاستئناف ب***.
وجاء في كتاب السيد الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف ب*** المرفوع إلى السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية أن السيد رئيس المحكمة الابتدائية ب*** بعث بكتاب مفاده أنه أخبر من لدن السيد وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية ب*** بأن القاضي (س)، القاضي بنفس المحكمة يوجد تحت مراقبة الضابطة القضائية، بعد أن توصلت هذه الأخيرة ببلاغ من أحد المواطنين يدعي فيه أن شخصا يزعم بأنه نائب لوكيل الملك تسلم منه رخصة سياقته إثر خلاف حصل بينهما بأحد الشوارع وكل واحد على متن سيارته فتقدم منه نائب وكيل الملك المزعوم وأشعره بصفته وأخبره بأنه بالنظر إلى حالته النفسية المضطربة الآن يطلب تسليمه رخصة سياقته وبالمقابل سلمه رقم هاتفه ونصحه بالاتصال به بعد أن تهدأ الأمور، بعدها اتصل صاحب الرخصة بنائب وكيل الملك المفترض طالبا إرجاعه رخصة سياقته، حيث عرض عليه هذا الاخير الحضور أمام سوق " ***" وأن عليه أن يحضر معه مبلغ 500.00 درهم، وما كان من هذا المواطن إلى أن أبلغ الشرطة، حيث نصبت كمينا بعد تصوير الأوراق المالية المشكلة للمبلغ المذكور، وبعد الاتصال بالنيابة العامة التي حضر عنها السيد نائب وكيل الملك السيد ***، وبعد أن تأكد بأن الأمر يتعلق بالقاضي (س)، قاضي الحكم بالمحكمة الابتدائية ب*** وقع الاتصال بالسيد الوكيل العام للملك الذي حضر عنه نائبه الأول السيد ***، الذي قام بتفتيشه وعثر في جيبه على الأوراق المالية المصورة، على إثر ذلك سهر على تنقل المعني بالأمر بسلام إلى بيته باعتبار أن المعني بالأمر يخضع لقواعد الاختصاص الاستثنائية بموجب المادة 264 وما بعدها من قانون المسطرة الجنائية، مؤكدا أن القاضي المذكور اتصل به هاتفيا حيث أخبره بالواقعة، موضحا أنه قدم نفسه للمعني بالأمر بصفته قاض بالمحكمة الابتدائية ب*** دون أن يذكر مطالبته للمشتكي بأي مبلغ مالي. مضيفا أنه أشعر في الحين السيد الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف ب*** بهذه الواقعة، مؤكدا أن القاضي المذكور يعاني من أمراض نفسية وقد شفي منها حسب شهادة طبية سلمت من طرف الطبيب المعالج.
وبتاريخ 12 مارس 2021 وجه السيد الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف ب*** كتابا إلى السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، مفاده أنه صدر قرار يقضي بإجراء تحقيق اعدادي في مواجهة السيد (س)، القاضي بالمحكمة الابتدائية ب*** حول الأفعال المنسوبة إليه وهي القيام بعمل تحكمي ماس بالحرية الشخصية والحقوق الوطنية والارتشاء واستغلال النفوذ، وتعيين السيد *** قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف ب*** الذي قام باستنطاق المعني بالأمر ابتدائيا، وقرر تركه في حالة سراح وأشعره بجلسة الاستنطاق التفصيلي ليوم 8 أبريل 2021.
تنفيذا لتعليمات السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، الرامية إلى إجراء بحث، استمعت المفتشية العامة للشؤون القضائية للقاضي المتابع حيث جاء في تصريحه أنه بعد الانتهاء من عمله اتجه رفقة زوجته نحو صاحب محل صباغة السيارات كان قد أودع لديه سيارة زوجته لإصلاحها، وفي طريقه لاحظ أن سيارة تعرقل سيره، فأوقف سيارته ونزل واتجه إليه وعرض عليه صفته بأنه نائب رئيس المحكمة الابتدائية ب***، وأشعره بالمخالفات التي ارتكبها وهي عدم ارتداء الكمامة وعدم استعمال حزام السلامة وعرقلة حركة السير، وعند سيرهما وقع احتكاك بين سيرتيهما، فطلب منه أن يختار معاينة حبية أو يتصل بالشرطة لإجراء المعاينة اللازمة، فالتمس منه المشتكي أن يصلح سيارته على أن يؤدي له ثمنها فيما بعد، ولذلك طلب منه ضمانة فسلمه المشتكي رخصة السياقة الخاصة به، ولما أوصل زوجته إلى محل صباغة السيارات التي كانت قد تركت سيارتها لديه فوجدها جاهزة فتسلمتها وانطلقت إلى حال سبيلها، بينما بقي هو بالمحل وأخبر العامل بالمحل عما وقع له، وبعد معاينته لمكان الاحتكاك أخبره بأن الاحتكاك كان سطحيا ولا يتطلب إلا نصف ساعة أو ساعة، وفعلا أصلحها في الحال، وأدى له أجرته المحددة في مبلغ 500,00 درهم، وحوالي السادسة والنصف اتصل بالمشتكي وأخبره بثمن إصلاح السيارة وأعلمه بمكان تواجده بمحاذاة مركز تجاري، فحضر المشتكي وسلمه مبلغ 500,00 درهم وبعد حوالي دقيقتين حضر ثلاثة من رجال الشرطة، فأطلعهم على صفته بكونه نائب لرئيس المحكمة الابتدائية، فتم إشعار الوكيل العام للملك الذي أرسل نائبه الأول الذي حضر إلى عين المكان، وبعد عملية التفتيش عثر بحوزته على المبلغ المذكور، كما طلب منه السيد نائب الوكيل العام للملك الحضور إلى مكتبه صباح اليوم الموالي، حيث استمع إليه في محضر، مؤكدا أنه لم يصرح للمشتكي أنه نائب وكيل الملك، وأنه طلب من المشتكي رخصة السياقة على أساس ضمانة إصلاح الأضرار اللاحقة بسيارته، مضيفا من جهة أخرى أنه لم يذكر له مبلغ ألف درهم، وإنما قال له 300,00 درهم كمخالفة على عدم ارتداء الكمامة و200,00 درهم على عدم وضع حزام السلامة، وأن مبلغ 500,00 درهم لا يتعلق بالمخالفات المرتكبة ولكن كمقابل لإصلاح السيارة من جراء الاحتكاك الذي تسبب فيه، وأنه لم يكن يوم الحادث في حالة سكر، مشيرا إلى أنه مصاب بمرض السكري ولا يمكن لمريض السكري تعاطي الخمر وأدلى بشهادتين طبيتين تفيدان تناوله للأنسولين، مؤكدا من جهة أخرى أنه صرح لرجال الشرطة أن المبلغ الذي بحوزته وهو مبلغ 500,00 درهم الذي توصل به من المشتكي كان قد أداه لإصلاح السيارة ولذلك استرجعه، وأن المنطقة التي كان يتواجد بها يوجد بها محل لبيع الخمور معزول عن المركز التجاري، ولذلك فإن رائحة الخمر كانت تفوح بالمنطقة بكاملها، مؤكدا أنه يتابع علاجا في الأمراض النفسية.
وفي نهاية البحث اقترحت المفتشية العامة للشؤون القضائية إحالة المعني بالأمر على أنظار المجلس الأعلى للسلطة القضائية.
بعد عرض تقرير المفتشية العامة على أنظار المجلس الأعلى للسلطة القضائية قرر المجلس بتاريخ 08/06/2021 تعيين السيد ***، وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية ب*** مقررا في القضية قصد إجراء بحث من أجل الأفعال المنسوبة للسيد (س) المتمثلة في الإخلال بالواجب المهني ومخالفة قواعد الشرف والأخلاقيات.
استمع السيد المقرر للقاضي المتابع الذي أكد تصريحاته المدلى بها أمام المفتشية العامة للشؤون القضائية، وبعد انتهاء البحث خلص السيد المقرر إلى أن الثابت من محضر الشرطة القضائية أنه تم ضبط السيد (س) وهو يتسلم مبلغ مالي قدره 500 درهم من المشتكي ويسلمه رخصة سياقته وأن السيد نائب الوكيل العام للملك حضر بدوره لمكان الواقعة وتسلم المبلغ المالي من السيد (س) وقارنه بالصور والأرقام التسلسلية للأوراق المالية وتأكد أن نفس المبلغ الذي تم أخذ صورة منه من طرف الشرطة القضائية. وأن السيد (س) كانت تفوح منه رائحة الخمر رغم محافظته على توازنه.
وأن الثابت من محضر معاينة السيد نائب الوكيل العام للملك أن السيد (س) أنكر بادئ الأمر تسلمه لأي مبلغ مالي ليعود في اليوم الموالي ويصرح أنه تسلمها من المشتكي مقابل إصلاح السيارة. وأن البين من معطيات النازلة أن السيد (س) قدم نفسه إلى المشتكي بصفته وكيلا للملك حسب ادعاء المشتكي في حين يقر أنه قدم نفسه كنائب لرئيس المحكمة وليس وكيلا للملك، وسواء قدم نفسه بهذه الصفة أو تلك، يعتبر إخلالا بالمبادئ التي تنص عليها مدونة الأخلاقيات القضائية. وأن الثابت من وقائع القضية أن السيد (س) قام بسحب رخصة سياقة المشتكي إلى حين تسلم مبلغ 500 درهم، وهو تصرف لا يمكن قبوله البتة من أي شخص فبالأحرى أن يكون قاضيا. وأن الثابت أيضا من أوراق الملف ومن ملاحظات المسؤولين القضائيين ومن الاستنتاج الذي خلص إليه شخصيا وخلصت إليه المفتشية العامة أن السيد (س) يعاني من اضطرابات نفسية عميقة أثرت وتؤثر على تصرفاته وتجعله يتصرف بشكل يخل بالوقار وبالمبادئ التي تنص عليها مدونة الأخلاقيات القضائية ويمس بواجب التحفظ ويمس بهيبة ووقار القضاة. وأن زوجة السيد (س) عند الاستماع إليها من طرف قاضي التحقيق صرحت أنها لما كانت تركب إلى جانب زوجها يوم الواقعة، لم تشعر بأي احتكاك أو اصطدام وأن زوجها توقف بالموازاة مع سيارة المشتكي وترجل نحوه من سيارته.
وأكد السيد المقرر في ختام تقريره أنه واعتبارا للأفعال المنسوبة للقاضي (س) ومراعاة لمبدأ التناسب مع الخطأ المرتكب يقترح معاقبته بالعقوبة المقررة بالدرجة الثالثة وذلك بإحالته إلى التقاعد الحتمي تطبيقا للمادة 99 من القانون التنظيمي رقم 13 - 106 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة.
جدير بالذكر أن القاضي المتابع السيد (س) كان موضوع متابعة جنائية حيث صدر ضده القرار الجنائي عدد *** بتاريخ 08/02/2022 عن غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف ب***، قضى باعتبار كافة الوقائع المنسوبة للمتهم تشكل جنحة النصب بعد إعادة التكييف ومؤاخذته من أجل ذلك والحكم عليه بسنة واحدة حبسا موقوف التنفيذ وغرامة نافذة قدرها 2000 درهم مع المصاريف بدون إجبار، وهو القرار الذي أيدته غرفة الجنائيات الاستئنافية بذات المحكمة بموجب قرارها الصادر بتاريخ 28/09/2022 في الملف الجنائي عدد ***، هذا القرار الأخير الذي أصبح باتا بموجب قرار محكمة النقض عدد *** الصادر بتاريخ *** في الملف الجنائي عدد *** القاضي برفض النقض المرفوع من السيد (س) ومن طرف الوكيل العام للملك.
أدرج ملف السيد (س) أول مرة خلال اجتماع المجلس بتاريخ 25/10/2022، والذي توصل به بتاريخ 17/10/2023، حسب الشهادة طي الملف حيث حضر القاضي المعني رفقة دفاعه الأستاذ *** المحامي بهيئة ***، وحضر السيد المقرر الذي قدم ملخصا لتقريره أمام انظار المجلس، واستمع للقاضي المتابع الذي أكد سابق تصريحاته أمام المفتشية العامة وامام المقرر، وتناول الكلمة دفاعه مؤكدا أنه لا مبرر للأخذ بتصريحات المشتكي دون تصريحات القاضي المتابع، وأن هناك شخصا أدلى بشهادة تفيد أنه أصلح سيارة مؤازره، مؤكدا أن القاضي المتابع يعاني من ظروف اجتماعية وعائلية صعبة ملتمسا عدم مؤاخذته واحتياطيا مراعاة ظروفه الاجتماعية والصحية والعائلية واتخاذ المجلس ما يراه مناسبا، مدليا بشهادتين طبيتين بخصوص الوضعية الصحية والنفسية للقاضي المتابع، وبعد المداولة قرر المجلس تأخير البت في القضية إلى حين البت في الملف الجنائي مع إحالة الملف في نفس الوقت على المجلس الصحي بناء على معاينة المجلس له وللشهادات الطبية المدلى بها.
ثم خلال اجتماع 25/10/2023 أدرج ملف القضية من جديد حيث تخلف القاضي المتابع وألفي لدفاعه بمذكرة أشار فيها إلى الظروف الصحية لمؤازره مسندا النظر للمجلس لاتخاذ ما يراه مناسبا بخصوص عرض ومناقشة القضية، فقرر المجلس تبعا لذلك تأخير القضية لاجتماع قادم خلال دورة يناير 2024.
ليتم عرض القضية من جديد خلال اجتماع 05/03/2024 حيث تخلف القاضي المتابع مرة أخرى رغم الاستدعاء، والذي توصل به بتاريخ 26/02/2024 حسب الشهادة طي الملف. وألفي لدفاعه الأستاذ *** بمذكرة مؤرخة في 01/03/2024 أكد من خلالها أنه يعتذر عن الحضور أمام المجلس بعدما تعذر على مؤازره الحضور بدوره لظروفه الصحية المتأزمة، وأنه سبق له أن حضر في جلسة سابقة وأوضح ظروف النازلة ووضعية مؤازره الصحية والنفسية، وأنه سبق له أن أدلى بمذكرة دفاعية وهو يؤكد ما جاء فيها، وأنه يدلي بصورة لشهادة طبية سبق له الادلاء بأصلها لدى الكتابة الخاصة للسيد رئيس المحكمة الابتدائية ب*** كما يدلي بنسخة من القرار الاستئنافي عدد *** الصادر عن استئنافية *** بتاريخ 02/02/2024، مسندا في الأخير النظر للمجلس لاتخاذ ما يراه مناسبا في القضية مع مراعاة ظروف مؤازره، وبعد عرض المقرر لملخص من تقريره المنجز في القضية اعتبر المجلس أن القضية جاهزة وقرر إدراجها في المداولة.
وبعد المداولة طبقا للقانون
حيث أحيــل السيد (س) القاضي بالمحكمة الابتدائية ب*** علـى أنظـار المجلس الأعلى للسلطة القضائية من أجل الإخلال بالواجب المهني ومخالفة قواعد الشرف والأخلاقيات والإخلال بواجب اللباقة والوقار والكرامة، طبقا للمواد 37 و40 و44 و96 من النظام الأساسي للقضاة.
وحيث حضر القاضي المتابع أمام المجلس خلال اجتماعه المنعقد بتاريخ 25/10/2022 مؤازرا بدفاعه، وبسط أوجه دفاعه، فيما تخلف عن اجتماع 05/03/2024 بعد أن أدلى دفاعه بمذكرة كتابية أسند من خلالها النظر للمجلس لاتخاذ ما يراه مناسبا في القضية مع مراعاة ظروف مؤازره، مما ارتأى معه نظر المجلس البت في القضية على حالتها أخذا بعين الاعتبار ما جاء في مذكرة دفاع القاضي المتابع.
وحيث إن المادة 37 من النظام الأساسي للقضاة تفرض على القاضي مراعاة الأخلاقيات القضائية، كما أن القاضي يلتزم - طبقا للمادة 40 من نفس القانون - بمناسبة تأديته لليمين بالحفاظ على صفات الوقار والكرامة بما يصون هيبة القضاء واستقلاله، وأن يسلك مسلك القاضي النزيه، وأن كل إخلال بهذه الالتزامات يعتبر إخلالا مهنيا حسب الفقرة الأخيرة من المادة المذكورة.
وحيث يلتزم القاضي أيضا طبقا للمادة 44 من نفس القانون باحترام المبادئ والقواعد الواردة في مدونة الأخلاقيات القضائية، ومن هذه المبادئ السهر على تحصين حياته الخاصة لتكون فوق الظنون والشبهات من خلال إعطاء المثال والقدوة الحسنة في التعامل مع المحيط ومع العموم، كما يتوجب عليه الحرص على أن يعزز سلوكه ثقة المجتمع ومساعدي القضاء والمتقاضين في حياده. ويحرص القاضي أيضا طبقا للمادة 44 من النظام الأساسي للقضاة على احترام تقاليد القضاء وأعرافه والمحافظة عليها، وهي كلها التزامات وأعباء تثقل كاهل القاضي، وتفرض عليه التصرف بحذر في جميع أمور حياته المهنية بل وحتى الشخصية ليكون فوق كل الظنون والشبهات.
وحيث إن صفة الكرامة وغيرها من المبادئ المشكلة للأخلاقيات القضائية تعد من الالتزامات اللصيقة بالقاضي سواء في حياته المهنية أو الشخصية، وهي بذلك تفرض عليه الابتعاد على كل سلوك مشين من شأنه التأثير سلبا على هيبته ووقاره سواء عند ممارسته لمهامه أو بمناسبتها، بل وحتى في حياته الخاصة، صونا لهيبة وكرامة السلطة القضائية.
وحيث إن إخلال القاضي بصفة الشرف وبالأخلاقيات القضائية أو بأحدها لا يمس القاضي المخل وحده بل من شأنه التأثير سلبا على الجهاز ككل، باعتبار أن مثل هذه السلوكيات سوف تؤدي إلى فقدان الثقة في سلطة القضاء باعتبارها السلطة الضامنة للحقوق والحريات، وهو ما من شأنه التأثير سلبا على الأمن القانوني والقضائي للمواطنين.
وحيث إن كل إخلال من القاضي بواجباته المهنية أو بصفات الشرف والوقار والكرامة يشكل خطأ يمكن أن يكون محل متابعة تأديبية طبقا للمادة 96 من النظام الأساسي للقضاة.
وحيث إن القاضي المتابع تأديبيا حوكم جنائيا من أجل نفس الوقائع المتابع من أجلها تأديبيا، وهي المحاكمة التي انتهت بصدور قرار جنائي بات قضى بمؤاخذته من أجل الأفعال المنسوبة إليه باعتبارها تشكل العناصر التكوينية لجنحة النصب بعد إعادة التكييف، ومعاقبته عن ذلك بسنة حبسا موقوف التنفيذ وغرامة نافذة قدرها 2000 درهم.
وحيث أنه وبصرف النظر عما جاء في أقوال القاضي المتابع بخصوص ظروف وملابسات إيقافه لمواطن وهو على متن سيارته ودخوله معه في سجال انتهى بسحب رخصة سياقته، وتلقي اتصال هاتفي منه بعد ذلك، وتحديد موعد للقاء به أمام احدى المراكز التجارية، وتسلم مبلغ 500 درهم منه مقابل إرجاعه رخصة سياقته، وضبطه بموجب حالة التلبس على إثر ذلك بحضور السيد نائب الوكيل العام للملك، فإن هذه الوقائع تبقى قائمة في حق القاضي المتابع بموجب القرار القضائي الجنائي البات المشار إليه أعلاه، مما تبقى معه محاولاته لتبرير سلوكه هذا عند الاستماع إليه في سائر مراحل الملف التأديبي مجرد محاولة للتنصل من المسؤولية التأديبية، باعتبار أن القرار الصادر في المتابعة الجنائية التي خضع لها القاضي المتابع يكتسب حجية مطلقة تجاهه باعتباره أصبح قرارا باتا غير قابل لأي طريق من طرق الطعن.
وحيث إن هذه التصرفات الصادرة عن القاضي المتابع تتنافى مع أخلاقيات مهنة القضاء وتعتبر ضربا لصفة الشرف التي يجب أن يتصف بها القاضي، وهي كلها سلوكيات تتنافى مع واجبات القاضي وما يجب أن يتحلى به من صفات، كما لا تنسجم مع الرسائل النبيلة التي يتحملها.
وحيث بذلك تكون الأفعال التأديبية المنسوبة للقاضي السيد (س) والمتمثلة في الإخلال بالواجب المهني والإخلال بواجب الكرامة والأخلاقيات ثابتة في حقه ويتعين مؤاخذته من أجلها.
واعتبارا لمبدأ التناسب بين الأفعال التأديبية الثابتة في حق القاضي المتابع وفق ما هو مفصل أعلاه والعقوبات الوارد النص عليه في المادة 99 من النظام الأساسي للقضاة، وبالنظر لخطورة هذه الأفعال ولما لها من تأثير سلبي على سمعة القضاء، وأخذا بعين الاعتبار للقرار القضائي الجنائي البات القاضي بمؤاخذته جنائيا من أجل نفس الوقائع المكونة للأفعال التأديبية المذكورة؛
لأجلـه
قرر المجلس اتخاذ عقوبة الانقطاع عن العمل في حق السيد (س)، القاضي بالمحكمة الابتدائية ب*** من أجل الإخلال بالواجب المهني ومخالفة قواعد الشرف والأخلاقيات.
توقيع عضو المجلس المكلف بصياغة القرار | الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية |
عبد اللطيف طهار | مَحمد عبد النباوي |