موجب الإحالة: الإخلال بالواجب الأخلاقي 08/11/2022
قضية السيدة: (س)
مستشارة بمحكمة النقض
مقرر عدد:
أصل المقرر محفوظ بالأمانة العامة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية
بتاريخ 13 ربيع الثاني 1444، الموافق ل 08 نونبر 2022،
إن المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وهو يبت في القضايا التأديبية برئاسة السيد: مَحمد عبد النباوي الرئيس المنتدب للمجلس الاعلى للسلطة القضائية وبعضوية السادة: مولاي الحسن الداكي – محمد بنعليلو - أحمد الغزلي -محمد أمين بنعبد الله - محمد زوك – محمد الناصر - خالد العرايشي ـ عبد الله معوني –سعاد كوكاس- الزبير بوطالع- عبد اللطيف طهار-عبد اللطيف الشنتوف-يونس الزهري- عثمان الوكيلي- المصطفى رزقي- أمينة المالكي-نزهة مسافر.
بحضور السيد مصطفى الإبزار: الأمين العام للمجلس الأعلى للسلطة القضائية؛
بناء على دستور المملكة ولاسيما الفصل 113 منه؛
وبناء على مقتضيات القانون التنظيمي رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.16.40 بتاريخ 14 جمادى الثانية 1437)24 مارس 2016(؛
وبناء على مقتضيات القانون التنظيمي رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.16.41 بتاريخ 14 جمادى الثانية 1437 )24 مارس 2016(؛
وبناء على النظام الداخلي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية المنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 09 نونبر 2017؛
ملخص الوقائـع
بناء على تعليمات السيّد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية الرامية إلى إجراء بحث مستعجل ومعمّق وشامل بخصوص ظروف وملابسات تسجيل ونشر شريط صوتي لمكالمة هاتفية جرت بين رئيس هيئة بمحكمة الاستئناف ب***** وعضو بها، ومستشارة بمحكمة النقض -عضوة سابقة بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية-، والمتعلق بطلب محامية متهمين معتقلين على ذمة الملف الجنائي الابتدائي عدد *****مبلغاً من المال لتسليمه للهيئة التي تبت في الملف، انتهى بمناقشة سبب التأخير، ووصف مجموعة من المحامين بالفساد. وقد تم تداول الشريط المذكور عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبعض الجرائد الإلكترونية؛
وبناء على تقرير المفتشية العامة للشؤون القضائية والذي تضمّن أنّها استمعت إلى الشريط الصوتي، وتبيّن أنّه يتضمّن تسجيلاً لمكالمة هاتفية جاءت فيها معطيات تسيء إلى سمعة القضاء؛
تمّ الاستماع إلى السيّد (أ) من طرف المفتشية العامة للشؤون القضائية، وصرّح أنه يوم 22 يونيو 2022 اتّصلت به الأستاذة (س) رغم كونه لا يعرفها، وكانت قد حصلت على رقم هاتفه من أحد الزملاء، من أجل محادثته بخصوص ملف رائج أمام الهيئة التي هو عضو بها، وصرّحت له أنّ المتّهم "(ب) " لم يرتكب أي فعل. وتلبية لطلبها أدرج الملف بجلسة 7 يوليوز 2022، على أساس أن يصدر القرار بتلك الجلسة. وخلالها حضر محاميان عن هيئة *****وسجّلا نيابتهما عن المتّهم "(ج)". ولمّا تقرّر تأخير الملف ورُفعت الجلسة للاستراحة اتّصل بها وأخبرها أنه للأسف تقرّر تأخير الملف لجلسة 1 شتنبر 2022، بعدما تقرّر رفض طلب السراح المؤقت الذي تقدّم به المحامون "**** "و"***** " و"*****" نيابة عن المتّهمين. وأنّه اتّصل بها باعتبارها زميلة ومسؤولة سابقة، وليخبرها بتأخير الملف. وبخصوص تسجيل المكالمة، صرّح أنّه يتوفر بهاتفه على تطبيقية تسجيل المكالمات التي تسجّل بطريقة آلية جميع المكالمات الصادرة أو الواردة وتقوم بمحوها بعد مرور 24 ساعة على تسجيلها، وأنّ المحيطين به لا يعلمون بأنّه يتولّى تسجيل المكالمة. وأنّ السيّدة (س) عاتبت الهيئة على التأخير، رغم أنّ تعامله معها كان على أساس أنّها زميلة فقط، وأنّه لم يشعر أنّها تجاوزت حدودها، ولو كان أحد غيرها فلن يفتح له المجال للحديث بتلك الطريقة. وأنّها كانت أول مرة يسمع فيها تحذيراً بشأن سلوك المحامية في المكالمة، و سبق للأستاذة (س) أن تكلّمت معه في المكالمة الأولى وأخبرته بأن المتّهم المذكور لم يثبت في حقّه أي فعل. وأفاد كذلك أنّ السيّد نائب الوكيل العام للملك لم يتحدّث معه في الموضوع. مؤكّداً أنّ هذا التسجيل لم يشارك أي أحد في مضمونه ولم يوجّهه لأية جهة، وتمّ محوه تلقائياً داخل 24 ساعة. وأضاف أنّه أصرّ على أن تحادث السيّدة (س) رئيس الهيئة السيّد (د)، وذلك من أجل إقناعها بمبرّرات التأخير. أمّا بخصوص وصف المحامية "*****" بالتعاطي للارتشاء، فإنّ الأستاذة (س) طلبت منهما الانتباه إلى أنّ المحامية المذكورة تتوسّط في الملف بعبارة: (تاتسمسر في الملف). مؤكّداً في الأخير أنّه لا يد له في كل ما وقع، وأنّه لم يشعر بأنّ تدخّلا من قبل الأستاذة (س) يمسّ استقلاليته كقاض، بل كان يحاورها على أساس أنّها زميلة لا غير؛
وتمّ الاستماع إلى السيد (د) من طرف المفتشية العامة للشؤون القضائية، فصرّح أنّ ما ورد في التسجيل جاء في إطار مجاملة الأستاذة (س) لا غير، وأنّ أساس تأخير الملف من 30 يونيو 2022 إلى جلسة 7 يوليوز 2022 هو قرب العطلة القضائية ونزولاً عند رغبة الأستاذة (س). وأنّ المحكمة في الأخير ستطبّق القانون، بدليل عدم الاستجابة لطلب السّراح المؤقّت، مؤكّداً أنّه لم يكن يعلم أنّ المكالمة كانت موضوع تسجيل، ولم يعلم بنشر محتواها إلاّ من طرف أحد زملائه. مضيفاً أنّه كان يعلم أنّ الأستاذة (س) اتّصلت بالأستاذ (أ) حول الملف المذكور، وأنّ حديثه معها يفيد أنّ النقاش كان مغلقاً بين قضاة، ولذلك كان يتحدّث على أساس أنّ قاض يتحدّث إلى قاض زميل له. وبخصوص المحامية "***** "فإنّه يعرف عنها أنّها تسيء للمهنة، وسبق أن أحيلت على المجلس التأديبي، ولم يسبق له أن تواصل معها عبر الهاتف مطلقاً. مشيراً إلى أنّ اتّصال الأستاذة (س) كان من باب التنبيه لا غير، إلاّ أنّ لهجتها كانت صارمة بعض الشيء. وشدّد على أنّ ما وقع هو خيانة له من زميله ال(أ) الذي أقدم على تسجيل المكالمة دون علمه، ولا يعلم إن كان هذا الأخير قد استعمل هاتفه النقّال أثناء الجلسة، لكونه كان منشغلاً بتسيير الجلسة؛
وتمّ الاستماع إلى السيدة (س) من طرف المفتشية العامة للشؤون القضائية، وصرّحت أن المتهم "(ب) " هو ابن "*****" العاملة المنزلية التي تشتغل لديها،وأنّ هذه الأخيرة تقدّمت إليها وهي تبكي وطلبت منها تمكينها من قرض بمبلغ 40.000,00 درهم بدعوى أنّ ابنها موضوع متابعة جنائية، وأنّ المحامية التي تؤازره طلبت منها المبلغ المذكور لتسلّمه للقضاة، فأجابتها هي أنّ هذه المحامية تنصب عليها. ثم اتّصلت بالأستاذ (ه)، نائب الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف ب*****، وطلبت منه تمكينها من رقم هاتف رئيس الهيئة الأستاذ (د)، فمدّها برقم هاتف الأستاذ (أ)، فاتّصلت به وطلبت منه أن ينتبه إلى أنّ هناك من يطالب بمبالغ مالية، إلاّ أنّ السيّدة ***** عادت واتّصلت بها لتخبرها أن المحامية "*****" طلبت منها ومن والدة المتهم الآخر (ج) الصعود إلى سيارتها وحجزت هاتفيهما ثم طالبتهما بمبلغ 25.000,00 درهم مقابل الحكم على إبنيهما بستة أشهر على أساس أن يفرج عنهما خلال شهر شتنبر، وإلا سيحكم عليهما بسنتين حبساً، كما سألتهما من منهما تعرف الأستاذة (س). وأنّها لأجل ذلك تسرّب إليها الشّك حول من أخبر المحامية باتصالها بالقاضي. فاتّصلت بالرئيس الأول لمحكمة الاستئناف وأخبرته بالواقعة، وأشعرته بإمكانية وجود تسجيل من طرف إحدى الضّحيّتين. ويوم الخميس 7 يوليوز 2022 اتّصل بها الأستاذ (أ) حوالي الساعة الثانية عشر بعد رفع الجلسة. وجرت بينهما المكالمة التي تمّ تسريبها. وهنا تثير تساؤلاً عن دوافع رفع الجلسة والاتّصال بها مباشرة، مع الإشارة إلى أنّ أجوبتها كانت بكل حسن نية ولم يخطر ببالها أن يتجرّأ أحد ويسجّل المكالمة، وكان الحوار بينها وبين السيّد (أ) والسيّد (د) بحسن نيّة وبين زملاء في المهنة، ولم تنتبه إلى أنّ الأمر كان مبيّتاً ومخطّطاً له من قبل لاستدراجها إلاّ بعد نشر التسجيل، تنفيذاً لرغبات بعض أعدائها بالنظر إلى مواقفها، أو بسبب خوفهم من أمر ما. مفيدة أنّ قصدها لم يكن التدخل لفائدة المتهمين علماً أنّ هذين الأخيرين كانا معتقلين منذ عيد الفطر دون أن تتّصل بأي ّأحد. كما أنّه لم تبادر إلى تنبيه أعضاء الهيئة إلاّ بعدما تأكّدت من وجود مطالبة بمبالغ مالية باسمهم، وأنّها لا تبرّئ الأستاذ (أ) ورئيس الهيئة الأستاذ (د) من التخطيط للإيقاع بها. وأضافت أنّ التسجيل باطل ومخالف للقانون. وبخصوص المكالمة الأولى فإنّها جرت أسبوعاً قبل المكالمة موضوع البحث. وأفادت كذلك أنّ المقصود بعبارة "انهار عيّطت ليكم" فإنّ ذلك من أجل تنبيه الأستاذ (أ) بأنّ هناك عملية نصب وابتزاز من طرف المحامية لوالدة المتّهم باسم القضاة، وأنّ المقصود بعبارة "أنّي اتّصلت بالرئيس الأول"، فلكونها تعرف أنّه لا يوجد قاض نزيه أو رئيس نزيه يمكن أن يتقبّل هذه الأوضاع. وأنّ المقصود "بأنّ الناس ما غاديش يسكتو" فلكون والدة المتّهم أخبرتها بأنّ والدة المتّهم الثاني كانت ترغب في دعوة قناة إعلامية إلى قاعة الجلسات. وبخصوص مدى اعتبار القضية جاهزة، فإنّها كانت تناقش قضاة في نقط قانونية، وأنّ رفعهم للجلسة والاتّصال بها لتبرير تأخير القضية، يبيّن سوء نيّتهما ومحاولتهما الإيقاع بها. وأوضحت أنّها رفضت الكلام مع رئيس الهيئة لأنّها لا تعرفه، وأنّ إلحاح (أ) يفيد نيّتهما في الإيقاع بها، وبخصوص التأجيل غير المبرّر فالمقصود من كلامها أنّه لا علاقة للمتّهمين بالمحامين، إذ لم يكلّفوا إلاّ الأستاذة "*****"، مضيفةً أنّها كانت تتكلم بحرقة لأنّها لا ترغب في توريط القضاة، ولمّا سألته عن النيابة كان ذلك على أساس أنّها تتحدّث مع زملاء، ولو كانت ترغب في التدخل لبادرت بذلك مباشرة بعد اعتقال المتهمين أبناء الخادمتين. وأنّها أبلغت الأستاذ (أ) بأنّ المحامين لا علاقة لهم بها، فلكون العاملة المنزلية والدة المتّهم أخبرتها بأنّها لم تكلّف إلا المحامية "***** "دون غيرها، وأنّها فعلاً قالت لهما أنّها كانت غاضبة، لأنّ الرئيس الأول لم يحرص على تنبيههما، وبخصوص عبارة: "غير مظلومين كان عليكم اتفكوهم راه العيد هذا" فهذا كلام تمّ بكل تلقائية بصفتها عضوة ضمن الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، وتقوم بزيارات للسجون في إطار الاختصاص وتعاين أزمة الاكتظاظ وأزمة ارتفاع الاعتقال الاحتياطي، وبما أنّها كانت في إطار مكالمة مع زملاء وبحسن نيّة فقد أثارت هذا الموضوع. ولم تكن تعلم أنّه كان يستدرجها في الكلام، ولم تفهم سبب اقتراح الأستاذ (د) بأن تزوره والدة المتهم، و أنّ هذا كلام يلزمه و لا يلزمها، مادام قد صدر عنه لاستدراجها لا غير، ولما ألحّ عليها في اقتراحه أجابته بعبارة:" ها هي غاد دوز عندك". وخلاصة القول أنّها توجّه الاتّهام للأستاذ (أ) ورئيس الغرفة (د) بالاتّصال بها بسوء نيّة، ونيّة مبيّتة من أجل استدراجها في الكلام وخلق صورة غير صحيحة، في حين أن الاتّصال كان من أجل التنبيه إلى وجود سمسرة ووساطة وابتزاز باسم القضاة من طرف المحامية المعنية، بدليل أنّها اتّصلت بالمسؤول الأول عن المحكمة، ولو كانت لديها نيّة التّدخّل لتدخّلت مباشرة بعد اعتقال المتّهم بحكم أنّ والدته تشتغل لديها؛
وتمّ الاستماع إلى السيّد *****، نائب الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف ب***** من طرف المفتشية العامة للشؤون القضائية، وصرّح أنّ الأستاذة (س) استفسرته عن الهيئة التي تنظر في الملف المذكور، ولم تتحدّث معه لا عن الرشوة ولا الفساد، وأنّه أبلغ رئيس الغرفة عن الاتّصال، وكونها ترغب في الحصول على رقم هاتفه فوافق على ذلك، إلا أنّها لم تتصل به ليسلّمها رقم هاتف رئيس الغرفة الأستاذ (د)، و أنّه لم يحضر أثناء المكالمة المسرّبة، وعندما طرق باب المكتب على الأستاذين (د) و (أ) خلال فترة الاستراحة ليستعجلهما للعودة إلى الجلسة، وجد الأستاذ (د) يتحدث في الهاتف وخاطب محاوره بأنّ الأستاذ ***** يبلّغك السلام؛
وتمّ الاستماع إلى السيّد (ه) نائب الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف ب***** من طرف المفتشية العامة للشؤون القضائية، وصرّح أنّ الأستاذة (س) طلبت منه رقم هاتف كل من المسمى (د) و الأستاذ (أ)، دون أن تفاتحه في أي ملف، فاتّصل بالأستاذ ***** لتمكينه من رقم هاتف الأستاذين المذكورين، ولكونه كان منشغلاً بمكتب السيّد الوكيل العام للملك اتّصل بالأستاذ ***** الذي مكّنه من رقم هاتفيهما، ثمّ اتّصل بالأستاذ (د) والأستاذ (أ)، وأخبرهما بأنّ الأستاذة (س) تبحث عن رقم هاتفيهما النقال، واستأذنهما في تمكينها منهما، فأذنا له بذلك، فوجّهه إليها عبر خاصية الواتساب؛
وتمّ الاستماع إلى السيّدة "*****" العاملة المنزلية لدى السيّدة (س) من طرف المفتشية العامة للشؤون القضائية، وصرّحت أنها تعرّفت على المحامية "*****" أمام محكمة الاستئناف ب*****، مباشرة بعد الإفراج عن الحدثين الذين اعتقلا رفقة ابنها "(ب)". وبعد تأخير القضية اتّفقت معها ومع والدة المتهم "(ج)" على تحديد أتعابها في مبلغ 10.000,00 درهم، (أي مبلغ 5000,00 درهم لكل واحدة منهما). وبجلسة أخرى وبمكتبها سألتهما إن كانتا مستعدّتين لأداء مبالغ لفائدة الغرفة مستعملة عبارة: (واش تقدروا دْوْرُو مع الغرفة)، مع الإشارة إلى أنّه سبق لهما أن عيّنتا محامياً قبلها يدعى "*****". وحوالي الساعة الثامنة من يوم الإثنين 27 يونيو2022، اتّصلت بهما ولما التحقتا بها وجداها على متن سيارتها، وطلبت منهما تسليمها هواتفهما، ثمّ قالت لهما أنّ القاضي يطلب مبلغ 40.000 درهم للحكم على ابنيهما بستة أشهر فقط بدل عام أو عامين أو ثلاث سنوات. وبعد المناقشة صرّحت بأنها ستخفّض المبلغ إلى 25.000 درهم، شريطة توفير المبلغ يوم الأربعاء صباحاً. وأضافت السيّدة ***** أنّه نظراً لكونها تشتغل لدى السيّدة (س) فقد طلبت منها أن تقرضها مبلغ 10.000 درهم فسألتها عن السبب، فحكت لها ما وقع لها، فاستفسرتها عن أسماء القضاة، ولما أجابتها بأنّها لا تعرفهم ردّت عليها أنّ القضاة غير مرتشين وأنّ هذه المحامية تنصب عليها. ويوم 29 يونيو2022 اتّصلت المحامية المذكورة بوالدتي المتهمين وأخبرتهما، بأنها انتظرتهما إلاّ أنّهما لم تحضرا، وأجابتا بأنهما لا تتوفّران على المبالغ، وفي اليوم الموالي لم تحضر إلى جلسة المحكمة؛
وتمّ الاستماع إلى السيدة "*****"، والدة المتهم "(ج)" من طرف المفتشية العامة للشؤون القضائية، وأكّدت ما ورد في تصريح السيدة "*****"، وأنّ يوم 30يونيو 2022 التقت المحامية "*****" رفقة أفراد عائلة "(ب)"، وبمجرّد ما وقفت أمامهم بدأت تفتّش في ملابسهم إن كانوا يستعملون الهواتف للتسجيل، وسألتهم عن سبب عدم الحضور إلى مكتبها لأداء المبالغ المتّفق عليها، فأجابتها بأنّهم لا يتوفرون على أيّة مبالغ، فردّت عليها أنّها لن تلج الجلسة إلاّ إذا توصّلت بباقي أتعابها، وستسجّل انسحابها من الملف، وبعد تدبير الأمر وتسليمها المبلغ المحدّد للأتعاب (5000 درهم لكل متّهم) سلّمتهم الوصل بذلك. وبعد الجلسة أخبرتها بأنّ القضية تم تأجيلها، ثم بادرتها بالسؤال حول من منهم يعرف الأستاذة (س)، فأجابتها بأنّها لا تعرفها؛
وعند الاستماع إلى الآنسة *****، شقيقة المتهم (ب) من طرف المفتشية العامة للشؤون القضائية، صرّحت أنّها أخت "(ب)"، وكانت ترافق والدتها منذ إلقاء القبض على أخيها المذكور أعلاه، ولذلك تؤكد تصريحات والدتها، وتضيف أنه يوم 30 يونيو 2022 التقت مع المحامية رفقة والدة (ج) وأختها، وأبلغوها بأنّهم لا يتوفرون على المبلغ المطلوب وهو 25 ألف درهم لكل متّهم، فردّت عليهم أنّها لن تلج الجلسة إن لم تتوصل بأتعابها فوراً، فاضطرّوا إلى أداء المبلغ المطلوب، وعندها استفسرتهم من منهم يعرف الأستاذة (س) التي تشيع عنها بأنّها تنصب عليهم، فأجابوها بأنّهن لا يعرفنها، خاصّة وأنّ والدتها التي تشتغل لديها لم تكن حاضرة معهن ّآنذاك، وبعد ذلك أخبرتهن ّبأنّ القضية قد تم تأجيلها؛
وبناء على قرار المجلس الأعلى للسلطة القضائية المؤرخ بتاريخ 26 يوليوز 2022 بتعيين السيد ***** الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف ب***** مقرّرا في القضية طبقا لمقتضيات المادة 88من القانون التنظيمي المنظم له؛
وبناء على تقرير السيد المقرر الذي أودعه بأمانة المجلس، والذي استمع فيه للقاضية المتابعة؛
وبناء على مقرر المجلس المؤرخ في 06 أكتوبر 2022 إلى إحالة السيدة (س) على أنظار المجلس الأعلى للسلطة القضائية طبقا للمادة 90 من القانون التنظيمي رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية من أجل ما نسب إليها من إخلال بالواجب الأخلاقي؛
وبناء على الاستدعاء الموجّه للسيّدة (س) للمثول أمام أنظار المجلس بتاريخ 08 نونبر 2022، حسب الثّابت من شهادة التّوصل المضمّنة بالملف؛
وبناء على جميع وثائق الملف التأديبي والموضوع رهن إشارة السيّدة (س)؛
وبجلسة بتاريخ 08 نونبر 2022 حضرتها السيدة (س)، وأكّدت أنّها اطّلعت على الملف التأديبي، وأنّها مستعدّة لمناقشة قضيتها، وبعد أن قدّم السيّد المقرّر تقريره أمام المجلس، تمّ الاستماع إلى القاضية المتابعة وأكّدت تصريحاتها المدلى بها أمام المفتشية العامة للشؤون القضائية و أمام السيّد المقرر ، وأضافت أنّ المكالمة موضوع المتابعة تمّت في إطار خاص يرتبط بسريّة المكالمات التي يحميها الدستور ، و أن عدم مشروعية تسريب المكالمة من شأنه أن يهدم أساس المتابعة، و أنّ التسجيل باطل، و لا وجود لتدخّل في القضية لأنّ التدخّل يقتضي أن يكون في شكل تعليمات أو أومر أو ضغط يمسّ باستقلال القاضي، و أنّها أكّدت لأعضاء الهيئة أنّها ترغب في تطبيق القانون فقط ولا تطلب شيئا آخر. وأنّها تصرّفت بتلقائية وفي إطار أخلاقي يرتبط بالتضامن المهني للتنبيه إلى سلوك غير مقبول من طرف المحامية المعنية، التي تعرف عنها أنّها سبق لها الانخراط في "جمعية *****"، ثم طردت منها بسبب سلوكها بشأن تصيّد الملفات من أمام المحاكم وكذا قيامها بابتزاز المتقاضين، وأنّه لا يمكن محاسبتها على إتيان سلوك مأمور به. وأضافت أنّها اتصلت بالسيد الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف ب***** وطلبت منه تنبيه القضاة ودعوتهم للاحتياط، وذلك في إطار المادة 29 من مدونة الأخلاقيات القضائية؛
وبعد المداولة طبقا للقانون
حيث أحيلت السيدة (س) المستشارة بمحكمة النقض على أنظار المجلس الأعلى للسلطة القضائية من أجل الإخلال بالواجب الأخلاقي؛
وحيث تم الاستماع للسيدة (س) وصرّحت بما هو مفصّل صدر الوقائع أعلاه؛
وحيث إنّه وبمقتضى المادة 96 من القانون التنظيمي رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة "يكون كل إخلال من القاضي بواجباته المهنية أو بالشرف أو الوقار أو الكرامة، خطأ من شأنه أن يكون محل عقوبة تأديبية "؛
وحيث يمكن إثبات المخالفات التأديبية المنسوبة للقضاة بمختلف وسائل الإثبات؛
وحيث يستقلّ المجلس الأعلى للسلطة القضائية بتقدير الوقائع المادية والقرائن المتواجدة بالملف التأديبي للقاضي المتابع من أجل تكوين قناعته في تحقق المخالفة المهنية من عدمها. ويمكنه في سبيل ذلك الرّكون إلى جميع وسائل الاثبات المقرّرة قانوناً؛
وحيث إن الواجبات الأخلاقية تستمد أساسها من صيغة اليمين التي يؤدّيها القاضي قبل مزاولة مهامه بنص المادة 40 من القانون التنظيمي رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة وكذا من المبادئ المتعارف عليها بشأن السلوك القضائي؛
وحيث إنّ الواجبات الأخلاقية تتمثّل في جميع السلوكيّات ذات الطبيعة القيمية التي تضعها القيم والمبادئ القضائية كما يمكن أن يضعها القانون، والمرتبطة ارتباطاً وثيقاً بطريقة ممارسة القاضي لمهامه والسلوك الذي يجب عليه اعتماده أثناء هذه الممارسة أو بمناسبتها. والتي يشكّل كل إخلال بإحداها أساساً للمساءلة التأديبية؛
وحيث إنّه فيما يخص ما نسب للقاضية المتابعة بشأن التدخّل في قضية رائجة فإنّه يتعيّن بداية تحديد مفهوم التدخّل المحظور في شؤون القضاء من خلال المرجعية الدستورية والتنظيمية والأخلاقية ذات الصلة بالموضوع. علماً أن منع التدخل في المهام القضائية إنما تتحدّد مراميه وغاياته في تحقيق هدف واحد هو ضمان استقلال القاضي في أداء مهمّته. إذ أنّ الفصل 109 من الدستور ينصّ في فقرتيه الأولى و الثالثة على أنّه يمنع كل تدخّل في القضايا المعروضة على القضاء؛ ولا يتلقّى القاضي بشأن مهمّته القضائية أي ّأوامر أو تعليمات، ولا يخضع لأي ضغط، و أنّ كل إخلال من القاضي بواجب الاستقلال والتجرد يعدّ خطأ مهنياً جسيماً، كما ينص ّفي فقرته الرابعة على أنّ القانون يعاقب كل من حاول التأثير على القاضي بكيفية غير مشروعة، كما نصّت المادة 105 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية على أنّ المجلس يتلقى الإحالات المقدمة إليه من القضاة كلّما تعلق الأمر بمحاولة التأثير على القاضي بكيفية غير مشروعة، ويقوم عند الاقتضاء بالأبحاث والتحريات اللازمة، بما في ذلك الاستماع إلى القاضي المعني وإلى كل من يرى فائدة في الاستماع إليه، و يتخذ المجلس الإجراء المناسب أو يحيل الأمر عند الاقتضاء على النيابة العامة إذا ظهر له أن الفعل يكتسي طابعاً جرمياً؛
وحيث يستفاد من مجموع المقتضيات الدستورية و التنظيمية المذكورة أنّ منع التدخل في عمل القضاة مقرّر لحماية استقلالهم الفعلي أثناء مباشرة مهامهم القضائية، و اعتباراً لهذه المقاربة القانونية المندمجة بين تقرير استقلال القاضي و منع التدخّل الغير مشروع في مهمّته القضائية، نخلص إلى أنّ تحقّق التدخّل الممنوع قانوناً يفترض توافر ثلاثة أمور ترتبط بهدف ووسائل التدخل ومركز المتدخّل، أولها أن يكون التدخّل بهدف التأثير على استقلال القاضي بغاية تغيير المسار القانوني لقضية معروضة على أنظاره، و ثانيها أن يصدر التدخل عن جهة تملك نفوذاً معيّناً في مواجهة القاضي المتدخل لديه، و ثالثها أن يتم ذلك بكيفية غير مشروعة، أيّ فيما يمنع فيه إعطاء تعليمات أو توجيهات لا يجيزها القانون. وحيث يتجلّى أن العناصر المذكورة، المعتبرة لقيام التدخل في عمل القضاة تنتفي كلها في حق القاضية المتابعة حسب ما يظهر من تحليل سياق المكالمة المسرّبة والعبارات الصادرة عن أطراف المحاورة؛
وحيث إنّه فيما يتعلق بهدف التأثير على استقلال القضاة بخصوص القضية المنظورة من طرفهم لاستصدار حكم مخالف لسليم القانون و صحيحه فإنّه غير قائم في النازلة، إذ البيّن من السياق العام للمكالمة المسرّبة، و من الوازع الذي دفع القاضية المتابعة للاتّصال بعضو الهيئة التي تنظر ذات القضية السيّد (أ) والمصرّح به جهاراً من طرفها في مقاطع عدّة من التسجيل الصوتي، وكذا من العبارات التي تلفّظت بها، أنّ الهدف من اتصالها لم يكن مطلقاً و نهائياً هو التدخّل لدى أعضاء الهيئة للتأثير على قناعاتهم الشخصية بشأن القضية المنظورة أمامهم، و لا التأثير على المسار العادي و الطبيعي للقضية موضوع المكالمة، وإنّما الغاية الواحدة والفريدة من الاتّصال الهاتفي هي تنبيه القضاة المعنيين من تصرّفات يقوم بها الغير تمسّ بسمعة القضاء، وتعتبر عملاً جرمياً في حال ثبوتها؛
وحيث تضمّنت المكالمة مقاطع تنفي الرغبة في تغيير قناعة المستشارين بشأن القضية، من قبيل : "أنا ملي عيطت لك ماشي طلبت"، "أنا ماشي طلبت أنا دائما مع تطبيق القانون"، "شوف أنا أنا ديرو طبقو ديرو اللي عجبكم"، "أنا الأستاذ يطبق لعجبو يدير لعجبو"،" هدا مو... وجه القضاء اللي بقا فيا أما أنا أ أستاذ أ الأستاذ يدير اللي عجبو ويطبق اللي عجبو كل ..."، راه ماشي قضية طلب راني دويت معاهم ينبهوكم من سمسارة كدير". و أكّدت في حديثها مع القاضي (أ) أنّها لم تطلب منه الانحياز في الحكم لفائدة طرف معين، بل تطلب منهم أن يحكموا بما شاءوا (حكموا باش ما بغيتو). بل إنه حتّى في لحظة سوء فهم مخاطبها لغايتها ردّته إلى موقفها الثابت بشأن الهدف من مكالمتها المتمثّل في التنبيه لما تقوم به المحامية المذكورة و تنسبه للهيئة، إذ دارت المكالمة في أحد أجزائها بين القاضيين (س) و (أ) كما يلي: ((س): واش دوا معاكم السيد الرئيس ولا ما دواش معاكم؟، ال(أ): حنا حنا لا الرئيس ما كيهضرش معانا في هاد المسائل أالأستاذة، الأستاذة (س): لا لا أنا ما قلتش لو. قلت لو باش يردو البال، كاينة سمسارة كتسمسر على وجههم). و نفس الأمر مع رئيس الهيئة (د) عندما أخبرها بأنه سبق لها أن تدخّلت في الملف، فأخبرته بأنّها نبّهت الهيئة فقط، إذ جاء حوارهما كما يلي: ((د): راه الأستاذ (أ) يعطيك التيليفون ديالي والأستاذ النائب لكنتي اطلبتي، الأستاذة (س): قلت أنا أستاذ عيط ليهم يردو البال من هاديك). بل و تبيّن لهما أنّها لم تتّصل إلا بعد أن تأكّد لها واقعة السمسرة باسم القضاة، إذ قالت للأستاذ (د): (رانا ما دويت تاعرفتها بَارْكَة كتسمسر على ظهركم). و في نفس السياق المرتبط بنفي رغبتها في التدخّل فقد بيّنت ذلك لمخاطبها الأستاذ (د) بنبرة قوية معززة بأيمان مغلظة، حيث دار حوارهما كما يلي : (الأستاذ (د): أستاذة راك عزيزة مكانتك عزيزة عندنا والطلبات ديالك أوامر أ أستاذة راحنا كون جهزناه اليوم كنا غنخرجوهم اليوم، الأستاذة (س): والله السيد الرئيس يلا قسما بالله السيد الرئيس ما جاش في إطار الطلب غا ملي سمعت باللي كتسمسر على ظهركم مقدرتش نسكت)؛
وحيث إنّه مما ينفي نيّة التدخّل لتغيير مسار القضية لفائدة طرف معيّن هو رفضها، في مرات عدّة و رغم الإلحاح المتكرّر من المستشار (أ) ، الحديث إلى رئيس الهيئة، رغم أنّها تعلم يقيناً - بحكم تجربتها وخبرتها المهنية - الدور المحوري لرئيس غرفة الجنايات في سير المحاكمة الجنائية و تدبير الإجراءات و تجهيز القضايا. لأنّ ما كان يهمّها بالأساس هو تنبيه الهيئة، من خلال أي واحد من أعضائها بغض النظر عن اسمه وصفته ومركزه في الهيئة، بما يدبّر في الخفاء بشأن القضية المنظورة أمامهم؛
وحيث إنّ التسجيل الصوتي المسرّب تضمّن أيضاً بياناً واضحاً من القاضية المتابعة لغايتها من المكالمة والمتمثلة في تحذير المستشارين المعنيين بالأمر من السلوكات اللامشروعة للمحامية التي تنسبها للهيئة القضائية التي تنظر القضية المذكورة وذلك حفاظاً على سمعة القضاء وثقة المتقاضين فيه، مع تذكيرهم بواقعة ***** الأخيرة المتعلقة بضبط مستشار بمحكمة الاستئناف بها وهو في حالة تلبس بتسلّم مبلغ رشوة، وما أحدثته هذه الواقعة من هزّة وخيبة أثّرت سلباً على صورة القضاء. و هي نفس الغاية التي التقطها مخاطبوها بشكل واضح و جليّ، إذ أكّد السيّد (د) عند الاستماع إليه من طرف المفتشية العامة للشؤون القضائية أنّ أساس تدخّلها كان هو التبليغ عن المحامية. كما أنّ العبارات المستعملة من طرفها خلال حديثها إلى المستشارين الموثق في التسجيل الصوتي المسرب كانت واضحة خالية من كل لبس في بيان تلك الغاية، إذ تلفظت بكلام من قبيل : " اسمعني الله يرحم ليك الوالدين تتعرفو عندي غيرة على القضاة"،" وسمعة القضاء والوجه ديال القضاء يلاه مهزوز في القضية ديال *****"، " والمحامية فاش مني عيطت ليك أنا تا جات المرا كتقول ليا راه قالت لينا راه القضاة باغين وباغين"،" قلت ليها شوفي أ لالة القضاة ما باغينش "، " باغا تسمسر على ظهركم"، " وراها كاينة محامية اللي كتخسر وجه القضاء"، " أنا وجه القضاء ما كنبغيش يتوسخ"، " دكشي علاش أنا عيطت ليك أودي رد بالك مني أنا شفت عاود تاني صمات عليهم قالت ليهم إيلا ما جبتوش ليهم جوج د المليون ونص للواحد"،"قلت أنا باش تردو البال من هدي" ، "حيتاش علاه ما بغيتش القضاء يتمرمد"، " عارفينها عارفينها خطيرة خطيرة وزادت بغات توسخ القضاة وهذا هو لي ماقبلتش قلت قول ليهم يردو البال من هديك المجرمة هديك خيتي وقال لي سيفطي سميتها وسيفطت ليه قلت لو راه كظل تسمسر في وسط الكولوار أنا ما بغيتش نمشي لشي جهة أخرى و***** بحال خويا وهدوك القضاة خوتي يردو البال من هادوك الناس ما ابغيناش القضاء "؛
وحيث إنّه مما يؤكد مشروعية هدف المكالمة المذكورة للسيدة (س) الرامي لحماية صورة القضاء هو الخطوات التي خطّطت لها أو التي نفّذتها في هذا السياق، فقد أكّدت خلال نفس المكالمة عزمها على توجيه المعنيين بالأمر - من عائلتي المتهمين - لتقديم شكاية في الموضوع ضد المحامية المذكورة في إطار المساطر المعمول بها في إطار الضبط القضائي للجريمة، هذا فضلا ًعن مبادرتها إلى إخبار السيد الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف ب***** بالواقعة المرتبطة بوجود تدخّلات في الملف الرائج و أنّ محامية طلبت من عائلتي المتهمين مبالغ مالية في مقابل الاستفادة من أحكام مخففة العقوبة، وطلبت منه تنبيه المستشارين المعنيين بالأمر بذلك. علماً أنّ السيد الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف ب***** "*****" قد أكّد بأنّ السيّدة (س) المستشارة بمحكمة النقض اتّصلت به هاتفياً عبر خاصيّة الواتساب في يوم لم يعد يتذكره بالضبط، لتخبره بأن محامية تقوم بابتزاز والدتي متّهمين متابعين في حالة اعتقال في ملف جنائي ابتدائي رائج أمام هيئة يرأسها الأستاذ (د)، وأنّ المحامية تطالب منهما مبالغ مالية تسلّمها للهيئة، فأشار عليها بالتبليغ عن ذلك للجهة المختصة كي يتم ضبط كل من له علاقة بهذا الأمر، غير أنّها رفضت ذلك طالبة منه الاكتفاء بتحذير الهيئة من محاولة إرشاء أعضائها من طرف المحامية المسماة *****، ونفى تطرّق القاضية أثناء تواصلها معه هاتفيا للمتابعة الجارية في حق المتهم ابن العاملة المنزلية لديها تفيد تدخلها لفائدته؛
وحيث ثبت للمجلس أنّ مكالمة القاضية المتابعة لم تكن تهدف مطلقاً لتغيير مسار القضية موضوع المكالمة، و لا توجيه المستشارين المعنيين بالأمر إلى الحكم على نحو يخالف ما اطمأن إليه ضميرهم المهني أو يتناقض مع اقتنع به وجدانهم بشكل يقيني، أو ينحرف عن صحيح القانون وسليمه، بل إنّ الهدف الحقيقي للمكالمة هو تنبيه الهيئة إلى ما كان يدبّر في غفلة منهم بخصوص سير القضية المعروضة عليهم على نحو يسيئ لسمعتهم و يهدم ثقة المتقاضين في قضائهم، و هو - أي التنبيه - هدف غير ممنوع، بل هو الواجب نفسه حفاظاً على سمعة القضاء، و انسجاماً مع ما تقره المواد 27 و28 و29 من مدونة الأخلاقيات القضائية بخصوص التضامن بين القضاة كقيمة أخلاقية أساسية تقوم على فكرة وحدة الجسم القضائي، وذلك بتقديم النصح لزميليها لمّا لاحظت محاولة وإصرار المحامية على ابتزاز عائلتي المتهمين باسم القضاة؛
و حيث إنّه من جهة ثانية فالتدخل في القضاء يتطلّب وجود سلطة أو نفوذ لدى المتدخِّل لديه، كيفما كانت الجهة التي ينتمي إليها، للتأثير على القاضي بإعطائه أوامر و تعليمات أو ممارسة ضغوط عليه أو في تقديم إغراءات إليه. والحال أنّ القاضية المتابعة لا تملك أي مركز قانوني يخولها سلطة في مواجهة مخاطبيها، وليست لديها أي سلطة مباشرة أو غير مباشرة عليهما، وليس لها نفوذ حقيقي أو مفترض عليهما يجعلها في مركز مؤثر تجاه طلباتها، خاصّة و أنّ زمن الواقعة يرتبط بفترة انتهت فيها عضويتها بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، و أعضاء الهيئة هم على علم تام بذلك، كما أنّها لم تمارس عليهم أي ضغط أو تهديد. فضلاً على أنّ المستشارين (د) و (أ) أكّدا أنّهما لم يشعرا بأنّ تدخّلها يمسّ باستقلاليتهما وأنّهما كانا يحاورانها على أساس أنّها زميلة لا غير دون أن تتجاوز حدود ذلك؛
وحيث إنّه فيما يخص مدى خرق القاضية المتابعة لواجب التحفظ فيما تلفّظت به في حق المحامية ***** من عبارات، فإنّ البحث الذي أجراه السيّد المقرّر ، في المحيط المهني للمحامية وفي ملفها المهني أفاد وجود مؤشرات على شبهة ممارسة المحامية المعنية لبعض الممارسات الخارجة عن مهام الدفاع، من بينها سبق إدانتها تأديبياً من طرف مجلس هيئة المحامين ب***** بمقتضى المقرر التأديبي الصادر في الملف عدد ***** بتاريخ 17 يوليوز 2017 الذي قضى بمؤاخذتها ومعاقبتها بعقوبة الإيقاف لمدة ستة أشهر، أيدته غرفة المشورة المدنية مع تعديله بالاقتصار في العقوبة على ثلاثة أشهر بمقتضى قرارها رقم ***** بتاريخ 17/10/2019 في الملف رقم ***** و رفض طلب نقضه حسب قرار محكمة النقض رقم ***** الصادر بتاريخ 25/02/2020 في الملف الإداري رقم ***** و قد تم تنفيذ عقوبة الإيقاف واستأنفت نشاطها المهني بتاريخ 31/12/2020، كما أثبت المقرّر وجود شكايات وجّهت لنقيب هيئة المحامين من طرف مجموعة من موكلي المحامية المذكورة، وكذلك شهادات مهنين من الوسط القضائي المذكور في تقرير المقرر الذي أفاد أنه قام باستطلاع الرأي حول سلوكها بين أوساط العاملين في الحقل القضائي من قضاة وموظفي كتابة الضبط ومحامين، فأجمع كل من قبل إبداء رأيه شريطة عدم الإشارة إلى اسمه بأنّ حضورها ملحوظ في قضايا المعتقلين، موضّحين أنّها ترابط عادة بالقرب من تجمّع أهالي أو أقارب المقدّمين من طرف الضابطة القضائية، لتعرض خدماتها عليهم بمؤازرتها لمن تمّ اعتقاله، وقد أكّدت والدة المتهم (ب) أنّها تعرّفت على المحامية المذكورة بباب المحكمة بالفعل. وبالإضافة إلى ذلك فقد أكّد البحث أنّه يشاع عنها بقوة أنّها تقترح على زبنائها التدخّل لدى الهيئات القضائية للحصول على أحكام بالبراءة أو مخفّفة لفائدة المعتقلين مقابل مبالغ مالية، وعلاوة على ما ذكر فإنّ السيّدة (س) كانت تنقل تصريحات موكلتيها من عائلتي المتهمين وتنقل محاولة ابتزازها لهما لأعضاء الهيئة لكي يكونوا على بينة مما يحاك باسمهم، وبذلك فهي لم تتلفّظ بغير الحقيقة، وبالتالي فهي لم ترتكب أي سلوك خاطئ في هذا الشق؛
و حيث إنه اعتباراً لما ذكر، تكون الخلاصة البيّنة من دراسة كرونولوجيا المكالمة المسرّبة أنّ ما قامت به القاضية المتابعة لا يعتبر تدخلاً في الشأن القضائي، فهي من جهة لم تكن المبادرة بالاتصال، و من جهة أخرى فقد ظلّت مصرّة على وضع المكالمة في سياق مقبول قانوناً يرتبط بالمطالبة بتطبيق القانون، بالشكل الذي تطمئن إليه أفئدة الهيئة التي تنظر القضية المذكورة، مع دعوتها لهم للاحتراز لما تتعرّض له عائلتي المتهمين من ابتزاز من المحامية، التي تصرّ على أنّها تفاوض باسمهم هيئة الحكم للاستفادة من عقوبة مخففة، و تتوعّدهم بتغليظ العقوبة في حالة عدم تقديم مبالغ مالية لذات الهيئة، كما أنّ ما أقدمت عليه القاضية المتابعة حين تواصلت سواء مع السيد الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف ب***** بصفته هذه وبصفته مستشاراً للأخلاقيات القضائية ينطوي على رغبة في إثارة الانتباه لخلل أخلاقي داخل المحكمة، و كل ما ذكر يشكّل سياقاً عامّاً ينفي عن سلوكها عنصر الخطأ الموجب للمساءلة التأديبية، ممّا اقتنع معه المجلس للتصريح ببراءتها ممّا نسب إليها من إخلال بالواجب الأخلاقي.
لأجله:
قرّر المجلس تبرئة السيدة (س) المستشارة بمحكمة النقض ممّا نسب إليها.