موجب الإحالة: الإخلال بالواجبات المهنية وبواجب اللباقة والشرف والوقار والكرامة 31/10/2023

واجب التحفظ الواجب المهني واجب الكرامة واجب الوقار الإهمال أو التأخير غير المبرر والمتكرر في بدء أو إنجاز مسطرة الحكم أو في القضايا تقاليد القضاء وأعرافه مدونة الأخلاقيات القضائية حق القضاة في حرية التعبير واجب التجرد الأخلاقيات القضائية اتخاذ الإجراءات داخل أجل معقول نجاعة القضاء واجب الحياد النزاهة اللباقة سمعة القضاء صورة العدالة ثقة المتقاضين في القضاء احترام المسؤول الإهمال والتقصير عدم التقيد بتوقيت العمل الكفاءة والاجتهاد العناية الواجبة النيابة العامة المس بنظام سير الجلسات
الانقطاع عن العمل

                                                          

قضية السيّد : (س)

نائب وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية ب*****

مقرّر عدد  :

أصل المقرّر محفوظ بالأمانة العامة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية 

بتاريخ 16 ربيع الثاني 1445، الموافق ل31 أكتوبر 2023

 

إنّ المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وهو يبت في القضايا التأديبية برئاسة السيّد : مَحمد عبد النباوي الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، و بعضوية السّادة : مولاي الحسن الداكي  - أحمد الغزلي - محمد أمين بنعبد الله - محمد زوك - محمد الناصر - خالد العرايشي - عبد الله  معوني- سعاد كوكاس- الزبير بوطالع - عبد اللطيف طهار - يونس الزهري - عثمان الوكيلي- المصطفى رزقي- أمينة المالكي- نزهة مسافر؛

بحضور السيّد منير المنتصر باللّه: الأمين العام للمجلس الأعلى للسلطة القضائية؛

بناء على دستور المملكة ولاسيما الفصل 113 منه؛

وبناء على مقتضيات القانون التنظيمي رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.16.40 بتاريخ 14 جمادى الثانية 1437
(24 مارس 2016)؛

وبناء على مقتضيات القانون التنظيمي رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.16.41 بتاريخ 14 جمادى الثانية 1437 )24 مارس 2016(؛

وبناء على النظام الداخلي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية المنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 09 نونبر 2017؛

ملخص الوقائــــــــــــــــع

بناء على تعليمات السيّد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية أجرت المفتشية العامة للشؤون القضائية الأبحاث والتحريات المضمّنة في التقرير عدد ***** وتاريخ 13 فبراير 2023. ويستفاد من التقرير المذكور أنّ الأمانة العامة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية توصّلت بكتب من السيّد وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية ب***** بخصوص تصرّفات وسلوكيات السيّد (س) نائب وكيل الملك لدى نفس المحكمة، وأدائه المهني وكذا أسلوب تعامله مع المسؤول القضائي المباشر .وأنّ السيّد (س)، التحق بالمحكمة الابتدائية ب***** مباشرة بعد تعيينه بالسلك القضائي سنة *****، وأنّ المجلس الأعلى للسلطة القضائية، في اجتماعاته المنعقدة برسم دورة يناير 2021 اتّخذ في حقّه عقوبة التوبيخ، بسبب ما ثبت في حقّه من عدم الالتزام بواجب التحفّظ والأخلاقيات القضائية؛

وحدّدت المفتشية العامة للشؤون القضائية في تقريرها مجموع المخالفات المهنية والأخلاقية المنسوبة إلى القاضي المعني فيما يلي:

  1. بخصوص التأخّر في الالتحاق بمقر العمل عقب قضاء العطلة السنوية :

يشير التقرير المذكور إلى عدم التحاق نائب وكيل الملك السيّد (س)، بمقر عمله بتاريخ 3 غشت 2021 بعد استفادته من رخصة إدارية مدّتها 20 يوماً ابتداء من 12 يوليوز 2021، إذ كان من المفروض أن يلتحق بمقر عمله يوم 2 غشت 2021، ولم يلتحق إلاّ بتاريخ 11 غشت 2021، بعد قضاء العطلة السنوية.  وأنّ نائب وكيل الملك المعني، أكّد عند الاستماع إليه من طرف بعثة التفتيش، أنّه سبق أن اتّفق مع المسؤول القضائي السابق على استفادته من رخصة مدتها 30 يوماً، إلاّ أنّه اكتشف أنّ الرخصة التي دوّنت بالسجلات محدّدة في 20 يوماً، وأنّه فوجئ باتصال السيّد وكيل الملك ليلتحق بالعمل، مؤكّداً له أنّ مدّة الرخصة هي 20 يوماً، وأنّه التحق على الفور مع تأخير بيوم واحد، كما سبق أن أكّد في جوابه عن استفسار السيّد وكيل الملك في الموضوع أن الرخصة التي استفاد منها حسب مقتضيات النظام الأساسي للقضاة محدّدة في 20 يوم عمل. وأنّه باحتساب أيام العمل عملاً بالمادة 60 من النظام الأساسي للقضاة، فإنّ التاريخ الذي يتعيّن أن يلتحق خلاله السيّد (س)، هو يوم 11 غشت 2021، باحتساب استفادته من عشرين يوم عمل، وليس 3 غشت 2021 كما جاء في كتاب السيّد وكيل الملك، على اعتبار أنّ رخصته السنوية صادفت يومي عطلة رسمية وهي عيد العرش وفاتح السنة الهجرية، مما يكون معه قد التحق بالعمل خلال اليوم المقرّر بعد انتهاء عطلته السنوية، ولم يرتكب أي إخلال بهذا الخصوص؛

  1. حول اعتياده التأخّر في الالتحاق بمقر العمل :
  1. بخصوص إحداث اضطراب بجلسة 13 دجنبر 2021:

جاء في تقرير المفتشية العامة للشؤون القضائية أنّ السيّد (س) كان يمثّل النيابة العامة بجلسة الجنحي تلبّسي ليوم 13 دجنبر 2021 وغادر مقر المحكمة مباشرة بعد رفع رئيس هيئة المحكمة الجلسة من أجل التأمل في بعض القضايا من أجل النطق بالأحكام في آخر الجلسة، وتعذّر الاتّصال بالنائب المعني لعدم ردّه على المكالمات الهاتفية، وهو
ما ترتّب عنه تأخير واضطراب في انعقادها، إلى أن بادر السيّد وكيل الملك بتكليف السيّد (د) نائب وكيل الملك لتمثيل النيابة العامة وتدارك الموقف ومواصلة الجلسة. وأنّ مغادرة السيّد (س) للمحكمة قبل النطق بالأحكام، وقعت مباشرة بعد توصّله بكتاب وجّهه إليه وكيل الملك حول عدم دراسته لما مجموعه 345 محضراً عادياً و102 محضراً لحوادث السير كان قد كلّف بدراستها منذ مدّة طويلة ولم يفعل. وأنّه لم ينتظر عودة رئيس الهيئة إلى قاعة الجلسات وتمثيل النيابة العامة بجلسة النطق بالأحكام التي كانت مقرّرة، وغادر المحكمة ودون إشعار أي أحد بالسبب، ممّا أدّى إلى تأخير جلسة النطق بالأحكام إلى أن تمّ تكليف النائب (د) بالحضور بدلاً عنه، وليعود هو على الساعة الثالثة و55 دقيقة بعد الزوال وهو يقود سيارته، ويسلّم لحارس باب المحكمة شهادة طبية مدتها 05 أيام ابتداء من 13 دجنبر 2021 إلى غاية 17 دجنبر 2021، دون أن يلاحظ عليه الحارس المذكور أثراً للإعياء أو المرض. وكان ذلك بمثابة رد فعل على توصّله بالاستفسار من وكيل الملك، ممّا خلف ارتباكاً كبيراً في العمل وتأخير الجلسة لحين تفرغ نائب آخر ليحل محله. وجواباً على المنسوب إليه، رد القاضي بأنّه لا يوجد ما يمنع من حضوره شخصياً والإدلاء بشهادة طبّية، دون بيان سبب عدم الإشعار بتغيّبه. وأضاف أنه على مدار ثماني سنوات لم يدل سوى بشهادتين طبيتين، ويمكن الرجوع لملفه الإداري للتحقق مما يقول. وهو ما يؤكد أنه
لا يدلي بشواهد المجاملة.

  1. حول طـريقـة إنجـاز الأشغـال الموكولة إليـه :

 

  1. بخصوص ظروف استقبال مرتفقة بمكتبه:

جاء في تقرير المفتشية العامة للشؤون القضائية أنّه يوم الإثنين 26 شتنبر 2022 حوالي الساعة التاسعة وخمس وأربعين دقيقة صباحاً حضرت المسمّاة (ح) إلى مكتب نائب وكيل الملك (س) بالمحكمة، وهو المكتب الوحيد المعدّ للسّادة النواب، واستقبلها به من أجل التشكّي من والد ابنها، واستغرق لقاؤهما ما يناهز ساعتين وخمس عشرة دقيقة. وبناء على طلبه أُحْضِر من مقهى مجاور لمقر المحكمة عصير "أفوكا" له و"عصير برتقال" لجليسته، وكان حديثهما على مرأى من المرتفقين وموظفي المحكمة وعناصر الشرطة والقوات المساعدة المتواجدة بالمحكمة. حيث أذن لجليسته بالذهاب والخروج من المكتب لما علم بقدوم السيّد وكيل الملك. وبعد استفسار المعنية بالأمر من طرف السيّد وكيل الملك حول أسباب مراجعتها للنيابة العامة، أكّدت أنّها ترغب في رفع شكاية في مواجهة والد ابنها، فأرشدها وكيل الملك إلى وضع شكاية مكتوبة وهو ما قامت به فعلاً. ولمّا استفسرها حول ما إذا قُدّم لها عصير برتقال من طرف النائب المذكور أحنت رأسها نحو الأسفل دون إجابة. ويشير تقرير المفتشية العامة أنّ المسماة (ح) كانت موضوع شكايتين، الأولى من أجل الخيانة الزوجية. والثانية من أجل إعطاء القدوة السيئة للمحضون والفساد. وقد تم وضعها تحت تدابير الحراسة النظرية من طرف النائب (س) باعتباره النائب المداوم. وأنّه بعد نهاية الحراسة النظرية تبيّن أن البحث لم يستوف بعض العناصر الضرورية، فقرّرت النيابة العامة يوم السبت 24 شتنبر 2022 تعميق البحث ورفع تدابير الحراسة النظرية عنها، على أساس إعادة تقديمها لاحقاً. ويوم الأحد 25 شتنبر 2022 حوالي الساعة الحادية عشرة والنصف صباحاً وأثناء التحاقه بمكتبه وجد السيّد وكيل الملك المعنية أمام الباب الخلفي للمقر المؤقت للمحكمة تبكي وتتبادل الكلام مع النائب (س) وهو على متن سيارته، وقد أفاد هذا الأخير وكيل الملك لاحقاً أنّ المعنية تتظلّم من قيام والد ابنها بالسرقة من داخل منزلها في الوقت الذي كانت فيه موضوعة تحت تدابير الحراسة النظرية. ويوم الاثنين 26 شتنبر 2022، استقبل النائب (س) المعنية (ح) مدّة ساعتين وربع تخلّلها سلوكه على النحو السالف الذكر، رغم أنّه لم يكن يومها مكلفاً باستقبال الشكايات وأن نائب وكيل الملك (ه) كان هو المكلّف بهذه المهمة في ذلك اليوم. وعندما عمد وكيل الملك إلى توجيه استفسار للنائب (س) حول كل ذلك، أجابه بكتاب مؤشر عليه بتاريخ 5 أكتوبر 2022، بأن تصرفه كان صائباً. وقد تضمّن ذلك الجواب خروجاً عن الأخلاقيات القضائية التي تحكم العلاقة بين الرئيس ومرؤوسه. ومن جهة أخرى فإنه قام بعد أيام قليلة من ذلك بتوجيه كتاب لوكيل الملك بتاريخ 11 أكتوبر 2022 تحت مسمّى (طلب الترخيص بشرب العصير) يطلب منه فيه الإذن له بتناول العصير، وأشار في كتابه إلى أنّ الأمر له ارتباط بالاستفسار الموجّه إليه سابقاً ويلتمس من وكيل الملك الترخيص له استثناءً بشرب عصير البرتقال نظراً لفوائده الصحية مادام أنّ الأصل في ذلك هو المنع. وأرفق طلبه بوثائق محرّرة باللغة الانجليزية مفيداً أنها بحوث علمية حول فائدة عصير البرتقال. ولم يتوقّف الأمر عند هذا الحد، وإنّما قام بنشر مجموعة من التدوينات على صفحة "الفايسبوك" الخاصّة به التي تستهدف التشهير برئيسه بالنظر إلى سياق الوقائع والأحداث؛

وبعد الاستماع إليه من طرف المفتشية العامة بشأن هذا الموضوع أكد استقباله للسيدة المشار إليها أعلاه، وأنه قدم لها كأس عصير لكونها حاملاً. وأنه بالفعل وجه إلى وكيل الملك كتاباً يستأذنه بمقتضاه لتناول العصير، وأرفق كتابه بوثائق استخرجها من موقع إلكتروني حول فوائد العصير. وأنه قام بذلك حتى لا يتوصل من رئيسه باستفسار آخر بسبب تناوله كأس عصير؛

  1. بخصوص عدم الالتزام بالاحتـرام الواجـب لـرئيسه المبـاشر:

وقفت بعثة التفتيش على أنّ القاضي (س) لا يحرص على الاحترام الواجب لمسؤوله المباشر من خلال الأسلوب الذي يعتمده في الجواب على الاستفسارات التي تُوجّه إليه، أو التدوينات التي اعتاد نشرها على حائط حسابه بالفايسبوك، وما تتضمّنه من عبارات تمسّ بشخص السيّد وكيل الملك، وتفتقد إلى اللباقة المفترضة في القاضي وما يقتضيه ذلك من الاحترام اللازم لرئيسه المباشر. وهو ما تجلّى من خلال أسلوبه في الجواب عن الاستفسارات الموجّهة إليه من طرف وكيل الملك، والتي غاب فيها مراعاة واجب الاحترام للمسؤول القضائي، ومن بينها :

  1. نشر تدوينات مخلّة بالأخلاقيات القضائية على حسابه بالفايسبوك :

يشير تقرير المفتشية أنّ السيّد (س) قام بنشر تدوينات على صفحته المفتوحة للعموم بالموقع الاجتماعي "فايسبوك" تتضمن إيحاءات صريحة للوقائع المشار إليها أعلاه، وتخلو من لباقة الأسلوب والآداب والاحترام التي يجب أن يتّصف بها القاضي. كما تتضمّن التشهير بوكيل الملك صراحة أو تلميحاً ومن بينها :

وقد صرح القاضي المعني للمفتشية العامة للشؤون القضائية أنه لا يشير في تلك التدوينات إلى وكيل الملك لا بالاسم ولا بالصفة، وأن مقالاته لا تتضمن أي إيحاءات، بل إنه يكتب مقالات بمصادر علمية، ويمارس حقه في التعبير الذي يكفله له الدستور والاتفاقيات الدولية. وأن بعض تدويناته التي أعقبت الوقائع التي كانت موضوع استفسارات، هي مجرد خواطر ومقالات، لا يقصد بها وكيل الملك، وأكد أن علاقته بهذا الأخير تعرف صراعاً شخصياً تستخدم فيه وسائل الإدارة؛

واستنتجت المفتشية العامة للشؤون القضائية أنّ ما حاول نائب وكيل الملك المعني تبريره أمام بعثة التفتيش من كونه لا يشير في تدويناته إلى السيّد وكيل الملك بالاسم
ولا بالصفة، وأنّ مقالاته لا تتضمّن أي إيحاءات، وأنّ الأمر يتعلّق بمقالات ذات مصادر علمية. وأنّه يمارس حقّه في التعبير الذي يكفله له الدستور والاتفاقيات الدولية المتعلقة بالحريّة في التعبير وحماية الحياة الخاصّة ذات الصلة، لا يمكن أخذه بعين الاعتبار لما تضمّنته التدوينات المفصّلة أعلاه من إيحاءات صريحة بالمساس بشخص وكيل الملك، ولما تتضمّنه من خرق للأخلاقيات القضائية. ومما يفيد استهدافها لوكيل الملك، هو تزامنها مع الاستفسارات الموجّهة إليه من قبل المسؤول القضائي المذكور، وارتباطها بأجوبته المباشرة على تلك الاستفسارات وتناسقها مع مواضيعها، مثل عدم تصفية الأشغال أو عدم الحضور إلى مقرّ العمل في الوقت المحدّد، ولا يمكن معه اعتبارها عادية لأنّ سياق نشرها يتزامن مع ما يتوصّل به من استفسارات. فضلاً عن أنّ ما نشره القاضي المعني، على صفحته بالموقع الاجتماعي "فايسبوك"، وهو حساب مفتوح للعموم بمن فيهم القضاة والمهتمون بشؤون العدالة وغيرهم، لا يمكن إدراجه في إطار حق التعبير أو حرية الرأي المنصوص عليهما في الفصل 111 من الدستور، المقيّد حسب نفس المقتضيات بما يتلاءم مع واجب التحفظ والأخلاقيات القضائية. كما أنّ ما سعى إلى تبريره بما أسماه مقالات بمصادر علمية في إطار ممارسة حقّه في التعبير، هو تبرير ينطلق من تفسير شخصي، لا ينفي عنها السياق العام الذي نشرت فيه، إذ لم يكن القصد منها إلاّ تصفية الحسابات مع رئيسه المباشر بسبب الاستفسارات التي توصّل بها. علماً أنّ القاضي المعني يعلم بحكم وظيفته، أنّ عدم تعيين الشخص أو تحديده بكيفية صريحة في المكتوبات والمضامين المنشورة، لا يعفيه من المساءلة. وهو ما تمّ الوقوف عليه مادام أنّ إمكانية التعرّف على الشخص من خلال العبارات قائمة، وهو بذلك يكون مسؤولاً عن الإخلال بالاحترام الواجب تجاه رئيسه المباشر، والإساءة إليه وللجهاز القضائي بشكل عام، بعدم التزامه بواجبي اللباقة والوقار واحترام الأخلاقيات القضائية؛

وخلصت المفتشية العامة للشؤون القضائية من التحرّيات المنجزة إلى أنّ السيّد (س) ثبتت في حقّه إخلالات مهنية وسلوكيات تتنافى مع الضوابط الأخلاقية التي يجب أن يتحلّى بها القضاة. وهي تصرّفات لم ينفع معها كل ما وُجّه إليه من ملاحظات، واستفسارات وتنبيهات إدارية،  ولا سابق مؤاخذته ومعاقبته من طرف المجلس الأعلى للسلطة القضائية من أجل ما ثبت في حقه من عدم الالتزام بواجب التحفظ والأخلاقيات القضائية،  واقترحت إحالته على المجلس الأعلى للسلطة القضائية للنظر فيما نسب إليه من إخلالات بخصوص تأخّره في الالتحاق بمقر عمله وعدم إنجاز الأشغال الموكولة إليه، وإهماله وانعدام مسؤوليته، وعدم انضباطه بمغادرة المحكمة قبل النطق بالأحكام في الجلسة التي كان يمثل فيها النيابة العامة، وعدم معاملته لرئيسه المباشر بالاحترام اللازم، فضلاً عمّا ينشره عبر وسائل التواصل الاجتماعي المفتوحة للعموم "الفايسبوك" من تدوينات لا تلتزم بمقتضيات الفصل 111 من الدستور ولا بمدونة الأخلاقيات القضائية، وما يقوم به من تصرّفات طائشة وغير لائقة بمن ينتسب إلى القضاء؛

 وبناء على قرار المجلس الأعلى للسلطة القضائية المؤرّخ في 10 أبريل 2023 والرامي إلى  تعيين السيّد ***** الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف ب***** مقرّراً في القضية طبقاً لمقتضيات المادة 88 من القانون التنظيمي المنظّم للمجلس؛

وبناء على تقرير السيّد المقرّر الذي أودعه بأمانة المجلس والذي استمع فيه للقاضي المتابع وإلى المسؤولين القضائيين وعدد من القضاة والشهود؛

وبناء على مقرّر المجلس المتّخذ في اجتماعه بعد عرض التقرير المنجز من طرف السيّد المقرّر على أنظار المجلس، والرامي إلى إحالة السيّد (س) إلى المجلس طبقاً للمادة 90 من القانون التنظيمي رقم 100.13 من أجل ما نسب إليه من إخلال بالواجبات المهنية وبواجب اللباقة والشرف والوقار والكرامة؛

وبناء على الاستدعاء الموجّه للسيّد (س) للمثول أمام أنظار المجلس بتاريخ 31 أكتوبر 2023 والذي توصّل به حسب الثابت من شهادة التوصّل المضمّنة بالملف؛

وبناء على جميع وثائق الملف التأديبي والموضوع رهن إشارة السيّد (س)؛

وبجلسة 31 أكتوبر 2023 حضر السيّد (س)، وأكّد أنّه اطّلع على الملف التأديبي وأنّه مستعدّ لمناقشة قضيته. وبعد أن قدّم السيّد المقرّر تقريره أمام المجلس، تمّ الاستماع إلى القاضي المتابع الذي أكّد تصريحاته المدلى بها أمام المفتشية العامة للشؤون القضائية وأمام السيّد المقرّر، وتقدّم بدفعين أوليين أولّهما يتعلّق بسبقية البت بالنسبة إليه لكونه تمّ نقله من المحكمة الابتدائية ب***** إلى المحكمة الابتدائية ب***** وذلك يعدّ عقوبة تأديبية، وثانيهما أنّ الاطّلاع على حسابه على الفايسبوك وأخذ نسخ من مضمونه يشكّل مسّا بمعطياته الخاصّة.ثم قدم أجوبته للمجلس، وأجاب على أسئلة الرئيس المنتدب وبعض أعضاء المجلس.                 

وبعد المداولة طبقا للقانون

حيث أحيل السيّد (س) نائب وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية ب***** على أنظار المجلس الأعلى للسلطة القضائية من أجل الإخلال بالواجبات المهنية وبواجب اللباقة والشرف والوقار والكرامة؛

وحيث تمّ الاستماع للسيّد (س) وصرّح بما هو مفصّل في الوقائع أعلاه؛

أولاً: في الدفوع الشكلية:

  حيث دفع القاضي المتابع أنّ نقله من المحكمة الابتدائية ب***** إلى المحكمة الابتدائية ب***** يبقى عقوبة تأديبية ويشكّل سبقية البت فيما هو منسوب إليه؛

وحيث إنّ هذا الدفع لا يستند على أساس سليم، لكون النقل المحتج به من قبله كان في إطار صلاحيات المجلس المخوّلة له بموجب المادة 72 من القانون رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة وفقاً للمعايير المنصوص عليها في المادة 76 وما يليها من القانون التنظيمي رقم 13-100 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية. وفضلاً عن ذلك فإنّه
لا يمكن الاحتجاج بسبقية البت في قضية إلاّ إذا أجريت محاكمة تأديبية من أجل نفس الوقائع وصدر بموجبها قرار تأديبي. والحال أنّه لم يسبق متابعة المعني بالأمر من أجل الوقائع الحالية، والتي لم تكن قائمة بتاريخ صدور قرار النقل، والذي اتخذ لظروف ترتبط بسدّ الخصاص كما هو مدوّن في صلب القرار نفسه. مما يبقى ما تمسّك به من دفع بشأن سبقية البت غير مؤسّس ويتعيّن ردّه؛

  حيث تمسّك القاضي المتابع بخصوص بأنّ ما تمّ الاطلاع عليه أو نسخه من حائط حسابه المفتوح على تطبيقية الفايسبوك يعتبر مسّاً بمعطياته الخاصّة؛

وحيث إنّه من جهة أولى فإنّ هذا الدفع يبقى غير منتج لكون أحكام القانون رقم
08-09 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي
لا تنطبق على الوثائق المتضمنة لتدوينات من النوع المشار إليه في هذا القرار، ذلك أن البند 1 من المادة 1 من القانون رقم 09.08، المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، يعرف المعطيات المحمية بكونها المعلومات التي تهم الشخص. والحال أن التدوينات لا توجد بها أي معلومات شخصية خاصة بشخص بالسيد (س). ولذلك فإن القانون المذكور لا يطبق بشأنها، سيما وأنها تدوينات مستخرجة من صفحته على (الفايسبوك) المفتوحة للعموم. فضلاً عن أنّ القاضي المتابع هو صاحب الحساب المذكور وهو من يتحكّم في إعدادات حائط هذا الحساب لتكون منشوراته متوفرّة في نطاق أراد هو أن يكون علنياً وأعدّه كذلك. ومن جهة أخرى فإنّ الاطّلاع على الحساب الشخصي للقاضي المتابع المفتوح على الفايسبوك أو غيره من الإجراءات المنجزة بالملف بشأن ذلك الحساب تجد سندها في المادة 25 من القانون رقم 21-38 المتعلق بالمفتشية العامة للشؤون القضائية، التي تعطي سلطة عامّة للمفتشين للقيام بالأبحاث والتحريّات، ولهم بمناسبتها التحقّق من المعلومات بكافة الوسائل المتاحة والقيام بأي اجراء من شأنه تسهيل مهمتهم. كما أنّ التدوينات المذكورة جاءت مرفقة بكتب السيّد وكيل الملك باعتبارها وسائل إثبات على ارتكاب القاضي المعني لخروقات للأخلاقيات القضائية وتجاوز للقواعد المنصوص عليها في المادة 23 من مدونة الأخلاقيات القضائية في الفقرة المتعلقة باستعمال القضاة للوسائط الاجتماعية، والتي تعتبر مقتضياتها ملزمة للقضاة بمقتضى المادة 44 من النظام الأساسي للقضاة.  وطالما أنّ تلك المستخرجات تعدّ وسيلة إثبات في المسّ بالحياة الخاصة لشخص آخر معني بمضمونها، فإنّ الدفع المثار أعلاه غير مرتكز على أساس قانوني سليم من الناحية القانونية ويتعيّن ردّه؛

ثانيا: في موضوع المتابعة:

وحيث إنّه وبمقتضى المادة 96 من القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة "يكون كل إخلال من القاضي بواجباته المهنية أو بالشرف أو الوقار أو الكرامة، خطأ من شأنه أن يكون محل عقوبة تأديبية "؛

وحيث يمكن إثبات المخالفات التأديبية المنسوبة للقضاة بمختلف وسائل الإثبات التي تخضع للسلطة التقديرية للمجلس؛

حيث إنّ الواجبات المهنية تتمثّل في جميع الالتزامات التي يضعها القانون على عاتق القاضي، والتي يشكّل كل إخلالٍ بإحداها أساساً للمساءلة التأديبية؛

وحيث إن القاضي المتابع يعتبر قاضياً من قضاة النيابة العامة الذين وضعهم القانون تحت سلطة وإشراف ومراقبة رؤسائهم التسلسليين ووضع على عاتقهم مجموعة من الالتزامات المهنية تتسّم بالامتثال للأوامر والملاحظات القانونية الصادرة عن هؤلاء الرؤساء تطبيقاً للفصل 110 من الدستور وللمادتين 25و 43 من النظام الأساسي للقضاة، وكذا المادة الأولى من القانون رقم 17-33 المتعلق بنقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيساً للنيابة العامة وبسن قواعد لتنظيم رئاسة النيابة العامة. وكذلك بمقتضى الفقرة الثانية من المادة 39 من قانون المسطرة الجنائية والمادة 17 من قانون التنظيم القضائي للمملكة. ولأجل ذلك فإنّ نواب وكيل الملك يشتغلون تحت سلطة وكيل الملك وإشرافه ومراقبته، وهم ملزمون بالقيام بالمهام التي يكلّفهم بها باعتباره رئيسهم الإداري والقضائي المباشر، وإليه يرجع تقييم عملهم وإنجاز تقارير في حقهم والتي يراعيها المجلس ويأخذها بعين الاعتبار، تطبيقاً للمادة 66 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية؛

وحيث نسب إلى القاضي المتابع مجموعة من المخالفات المهنية، والتي بعد عرضها على المجلس ومناقشتها خلص فيها إلى ما يلي :

حيث إنّ البحث في هذه الواقعة انصب على ما ورد في كتاب السيّد وكيل الملك والذي جاء فيه أن القاضي المتابع لم يلتحق بعمله رغم انتهاء مدة 20 يوما المرخّص له بها كرخصة إدارية سنوية، والتي ابتدأها بتاريخ 12 يوليوز 2021، ولم يلتحق بمقر عمله إلاّ بتاريخ 11 غشت 2021 في الوقت الذي كان مفروضاً أن يباشر عمله بتاريخ 02 غشت 2021؛

 وحيث إنّه وبصرف النظر عمّا جاء في جواب النائب المتابع فإنّه وتطبيقاً لأحكام المادة 60 من النظام الأساسي للقضاة، فإنّ الثابت من وثائق الملف أنّ القاضي المتابع غادر عمله يوم 12 يوليوز 2021 والتحق به يوم 11 غشت 2021 وعلى اعتبار أنّ آخر أيام رخصته السنوية صادف يومي عطلتين رسميتين وهما عيد العرش المجيد وفاتح السنة الهجرية، مما يكون معه المعني بالبحث قد التحق بمقر العمل خلال اليوم المقرّر قانوناً وبعد انتهاء رخصته الإدارية، وعليه فإنّ المجلس لم يثبت له أي إخلال مهني بهذا الخصوص؛

حيث يمارس القضاة مهامهم وفقاً للأنظمة الإدارية فيما يتعلق بمواقيت العمل والوفاء بالالتزامات المهنية واحترام السلطة الرئاسية. وهم ملزمون بمقتضى اليمين التي يؤدونها عملاً بالمادة 40 من النظام الأساسي للقضاة بممارسة مهامهم (بإخلاص وتفان...، وبالمحافظة على صفات الوقار والكرامة ... وبما يصون هيبة القضاء...)؛

وحيث تلزم مدونة الأخلاقيات القضائية في البند السابع من المادة 17 القاضي على إيلاء الجلسات ما تستحقه من الاهتمام والعناية، وأن يحرص على الالتزام بالمواعيد المحدّدة لها. كما تلزمه نفس المادة في البند التاسع منها بالحرص على إعلام المسؤول القضائي بجميع عوامل الخلل التي قد تؤثر سلباً على القيام بمهامه القضائية. وهي المبادئ الواجب على القاضي احترامها عملاً بمقتضيات المادة 44 من النظام الأساسي للقضاة؛ 

وحيث ثبت للمجلس من وثائق الملف التأديبي أنّ القاضي المتابع وخلافاً لتصريحاته، اعتاد التأخّر عن مواعيد الجلسات المحدّدة في جدول الجمعية العمومية، والتخلّف عن الحضور لمقر المحكمة لمزاولة مهامه دون أن يطلب الإذن من مسؤوله القضائي ودون وجود مبرّر قانوني أو واقعي مقبول، وهي الوقائع المنسجمة والثابتة مما يلي :

   وحيث إنّ القاضي المتابع لم يثبت بموجب مقبول عكس التصريحات المفصّلة أعلاه، وبالنظر لما ذكر اقتنع المــجلــس أنّ ما نسب للقاضي المتابع من اعتياده التأخّر غير المبرّر عن الجلسات التي يكون معيناً فيها لتمثيل النيابة العامة، وكذا اعتياده الالتحاق بمقرّ عمله متأخراً عن الوقت القانوني، ثابت في حقّه ويشكّل إخلالاً بواجباته المهنية الأصيلة، التي توجب عليه أداء مهامه القضائية بوفاء وإخلاص وبشكل جدّي ومسؤول وحريص، ينسجم مع مبادئ مدونة الأخلاقيات القضائية المحدّدة أعلاه، والتي يعتبر الإخلال بها خطأ من شأنه أن يكون محل عقوبة تأديبية إعمالاً لنص المادتين 11 و96 من النظام الأساسي للقضاة؛

حيث إنّ من تجليات الالتزامات المهنية للقاضي ما يفرضه الفصل 117 من الدستور والمادة 41 من النظام الأساسي للقضاة عليه خلال مزاولته لمهامه القضائية من سهر على حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي، ومن ضرورة تطبيق القانون، وما يترتّب على اليمين المؤداة وفقاً للمادة 40 من النظام الأساسي للقضاة التي تلزمه بممارسة مهامه "بحياد وتجرد وإخلاص وتفان" وحفاظه على صفات "الوقار والشرف والكرامة بما يصون هيبة القضاء واستقلاله"، وتَعتبِر الإخلال بهذا الالتزام إخلالاً بالواجبات المهنية؛

وحيث إنّ المادة 42 من النظام الأساسي للقضاة تنص على التزام القاضي بمبدأ التطبيق العادل للقانون. وهو الالتزام المرتبط ارتباطاً وثيقا بمقتضيات الفصل 120 من الدستور والمادة 45 من نفس النظام التي تنص على ضرورة حرص القاضي على البت في القضايا المعروضة عليه داخل أجل معقول. والتي لا تنفصل عن المادة 97 من النظام الأساسي للقضاة التي تنص على أنّ الإهمال أو التأخير غير المبرر والمتكرر في بدء أو إنجاز مسطرة الحكم أو في القضايا أثناء ممارسته لمهامه القضائية يعدّ خطأ جسيماً؛

وحيث نصّت المادة 16 من مدونة الأخلاقيات القضائية على أنّ الكفاءة والاجتهاد أمران ضروريان للحفاظ على ثقة المجتمع في العدالة من أجل ضمان تجويد الخدمة القضائية. وحدّدت في البند السابع منها التطبيقات التي تعكس هذه القيم، ومنها معالجة القاضي القضايا المعروضة عليه دون إهمال، والقيام بمهامه القضائية بمنتهى العناية وإنجازها داخل الأجل المعقول؛

وحيث إن هذه النصوص المؤطرة لعمل وواجبات القاضي تفرض عليه الحرص على تجنب اللوم والتجريح في أدائه المهني ، وأن يتّصف بما يدعم ثقة مهنيي العدالة والمواطنين في القضاء وجودة الخدمة القضائية، بشكل ينعكس على احترام القضاء وصون رفعته وهيبته وسمعته. وهي قيم مهنية يسهر المجلس الأعلى للسلطة القضائية على ضمان احترامها والتشبت بها وضبطها وتشكّل مخالفتها تجاوزاً من القاضي وإخلالاً منه يوجب المساءلة والمعاقبة التأديبية؛

وحيث ثبت للمجلس من وثائق الملف التأديبي إهمال القاضي المتابع أثناء ممارسته لمهامه القضائية وتهاونه المستمر في القيام بالأشغال المنوطة به بالعناية المطلوبة وفي الأجل المعقول، وهو ما لا يخرج عن نطاق الخطأ الجسيم بمفهوم المادة 97 من النظام الأساسي للقضاة إذ أنّ ما يناهز 1856 مسطرة ظلّت لديه قيد الدراسة لمدة تتراوح بين سنتين و4 أشهر، إلى أن بادر المسؤول القضائي بإنذاره بتصفيتها دون جدوى فعمل على استرجاعها وتوزيعها على باقي نواب وكيل الملك من أجل إنجازها نيابة عنه. وكذا تقارير استئنافية في 16 ملفاً تتعلق بقضايا جنح تلبسية، لم تنجز داخل الأجل المحدّد لها؛

وحيث ثبت للمجلس أيضاً أنّ أداء السيّد (س) ضئيل جداً بالمقارنة مع باقي نواب وكيل الملك لدى نفس المحكمة، دون مبرّر واقعي وموضوعي لضعف هذا المنسوب، إذ أن نسبة ما أنجزه من المحاضر والشكايات أدنى بكثير من متوسّط ما أنجز من طرف باقي نواب وكيل الملك، ولا يزيد على نصف الإنتاج الأدنى لزملائه. ممّا يدل على استخفافه بواجبه المهني وعدم إخلاصه وتفانيه في أدائه؛

وحيث خلص المجلس إلى أنّ القاضي المتابع قد أهمل إهمالاً فادحاً أثناء أداء مهامه القضائية، ولا يمارس المهام بعناية مهنية وبحس من المسؤولية والإخلاص والتفاني والتي تعدّ التزامات مهنية من مشمولات اليمين القانونية للقاضي، والمتوقّع أن يكون عليها أيّ قاض حفاظاً على حقوق المتقاضين وأمنهم وحرصاً على ثقة الناس في القضاء وضماناً لجودة الخدمة القضائية؛

وحيث إنّ إهمال القاضي المتابع وتقصيره في أداء مهامه وفي توظيف العناية المهنية بشكل يتيح له القيام بعمله على أحسن وجه وكذا عدم أخذه له بعين الاعتبار في أدائه المهني رغم إنذاره من طرف المسؤول المباشر يعدّ إخلالاً بالواجب المهني وخطأً جسيماً وفقا للمادة 97 من النظام الأساسي للقضاة وموجباً للمعاقبة التأديبية؛

حيث تبيّن للمجلس وبعد اطّلاعه على أجوبة القاضي المتابع على كتب رئيسه المباشر، عدم احترامه له وتعمّده صياغة عبارات تقصد الإخلال باللباقة والآداب وتنمّ على التحدّي والرغبة في التصارع؛

 وحيث إنّ المجلس وبعد اطّلاعه على أجوبة السيّد (س) الموجّهة لرئيسه المباشر والمشار إليها ضمن وقائع هذا القرار، ثبت له أنّها خارجة عن الضوابط المهنية وبعيدة عن قواعد التعامل الإداري بين المرؤوس ورئيسه، وتمثل مساساً فاضحاً وخرقاً واضحاً لما ينبغي أن يكون التسلسل الهرمي للسلطة الرئاسية للنيابة العامة المقرر بمقتضى الفصل 110 من الدستور والمادتين 25 و43 من النظام الأساسي للقضاة، والمادة الأولى من القانون 33.17 المتعلق بنقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيساً للنيابة العامة وبسن قواعد لتنظيم رئاسة النيابة العامة، وكذا المادة 17 من قانون التنظيم القضائي والفقرة الثانية من المادة 39 من قانون المسطرة الجنائية المتعلقة بسلطة الرؤساء التسلسليين للنيابة العامة على مرؤوسيهم من القضاة؛

وحيث إنّ السلطة الرئاسية للنيابة العامة تقتضي احترام القاضي لرئيسه وتنفيذ تعليماته وأوامره القانونية، والتعامل معه وفقاً للضوابط المهنية؛

وحيث إن نائب وكيل الملك المتابع، بانتهاجه أسلوب الإهانة تجاه رئيسه، واتهامه باتهامات خطيرة، وتجاوز ذلك إلى تقييم سلوكه المهني، والاستهزاء به والسخرية منه، يكون قد ارتكب خطأً مهنياً خطيراً يتمثل في المساس بالسلطة الرئاسية وعدم التعامل معها بالاحترام الواجب. فضلاً عن كونه خطأً أخلاقياً، لمساسه بشرف القضاء واعتباره، ويهدم هيبة القضاء التي هي من هيبة القضاة. بل إن طريقة التعامل تلك تمسّ القيم الإنسانية وآداب التعامل، وواجب إظهار الاحترام المتبادل بين الأشخاص المتماثلين وأحرى أن تكون مثالاً لسلوك قاضٍ مع رئيسه، لما فيها من خروجٍ عن مبدأ اللباقة المنصوص عليه في مدونة الأخلاقيات القضائية التي تفرض على القاضي في المادة 26 منها أن يحترم آداب وأعراف وتقاليد القضاء وأن يراعي أدبيات التعامل والحديث مع الجميع، بما يستوجبه ذلك من تجنّب الألفاظ الجارحة والمساس بالحياة الشخصية؛

حيث إن واجبات الشرف والوقار والكرامة تعد من الالتزامات اللصيقة بالقاضي سواء في حياته المهنية أو الشخصية، ويكون كل إخلال من القاضي بها خطأ من شأنه أن يكون محل عقوبة تأديبية، وفقا للمادة 96 من القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة؛

وحيث يتقبّل القاضي القيود المفروضة على الحياة الخاصّة للقضاة، والتي قد تبدو عبئاً بالنسبة للمواطن العادي، ويتصرّف بما يتماشى مع كرامة وشرف رسالة القضاء، حتّى في حياته الخاصّة، حماية لاستقلال القضاء وصوناً لحرمته وشرفه وكرامة رسالته؛

حيث إنّ استقبال القاضي المتابع لسيّدة بمكتبه لمدّة تزيد عن ساعتين من الزمن وتقديمه عصير البرتقال لها بعد اقتنائه من المقهى المجاور لبناية المحكمة، وفي يوم لم يكن هو المكلّف فيه باستقبال الشكايات، وخاصّة أنّ المعنية بالأمر مشتبه فيها ومازال البحث جارياً في حقّها من أجل إعطاء القدوة السيئة لمحضون والفساد والخيانة الزوجية، فإنّ ذلك فيه مساس بحياد القاضي ومن شأنه أن يثير الشكوك ويطرح التساؤلات حول تجرّده، سيما من طرف خصوم تلك السيّدة الذين قد يرون في ذلك الاستقبال والعناية الزائدة عن المألوف في الإدارات والمحاكم، وطول مدّة اللقاء، نوعاً من التحيّز والتفضيل، ويلقي بظلال الريبة والشك في حياد القضاء نفسه. وهو ما يمس بسمعة القضاء. الأمر الذي يجعل هذا السلوك إخلالاً بصفات الحياد والنزاهة والوقار والكرامة الواجب أن يتقيد بها القضاة. والتي تنص مدونة الأخلاقيات القضائية والنظام الأساسي للقضاة على التزام القضاة بها. كما تلزمهم بالحرص على تجنب اللوم والتجريح في سلوكياتهم، وأن تكون تصرّفاتهم فوق مستوى الشبهات، وأن يتّصفوا بما يؤدّي إلى ثقة الشخص العادي بأمانتهم واستقامتهم، بشكل ينعكس على احترام القضاء والثقة في استقلاله، وأن يلتزموا بالبقاء على مسافة واحدة من أطراف الدعوى (الفقرتان 3 و 4 من المادة 8 من مدونة الأخلاقيات القضائية). كما أنّه يتعين عليهم أن يتجنبوا الوقوع في أي مجاملة قد توحي بنوع من المفاضلة أو تجعل الأطراف يتملكهم الشعور بعدم المساواة (الفقرة 4 من المادة 11 من مدونة الأخلاقيات القضائية)؛

حيث قام القاضي (س) بنشر عدة تدوينات عبر الوسائط الاجتماعية، على صفحته المفتوحة للعموم بتطبيقية "الفايسبوك"؛

وحيث إن التدوينات المنشورة تتعلّق من جهة بمواضيع مهنية خاصّة بسير العمل القضائي، وتعتبر جواباً علنياً على الاستفسارات التي توصّل بها من وكيل الملك حول إهماله في أداء مهامه، أو بشأن إخلالات مهنية. كما أنّها تميّزت، من جهة أخرى بأسلوب جارح يشكّل تشهيراً بوكيل الملك وقدحاً في سلوكه والسخرية منه والاستهزاء بتعليماته؛

وحيث أجاب القاضي المعني بالأمر بخصوص تلك التدوينات أنه يتمسّك بها، وأنّه مارس بموجبها حقّه في التعبير الذي يكفله له الدستور والاتفاقيات الدولية المتعلقة بالحرية في التعبير، وأنّه لا علاقة للمسؤول القضائي بما يكتبه؛

وحيث ثبت للمجلس بما لا يدع مجالاً للشك أنّ التدوينات تتعلق بالفعل بالعمل القضائي، وأنّها منشورة للعموم وبمثابة امتداد للأجوبة التي وجّهها المعني بالأمر بالطريقة الإدارية لوكيل الملك، ويتجلّى ذلك من تناولها للمواضيع التي كان يُسْتَفْسَرُ من أجلها، وكذلك من نشرها مزامنة مع الاستفسارات أو عقبها بوقت قصير؛

وحيث ثبت للمجلس كذلك أنّ المقصود بها هو وكيل الملك نفسه، باعتباره الرئيس المباشر للقاضي موضوع المتابعة، لأنّ التدوينات هي جواب على المواضيع المتعلقة بالاستفسارات، مثل التدوينة المتعلقة بشرب العصير المرتبطة بالاستفسار الذي وجّهه وكيل الملك للقاضي حول استقبال سيّدة موضوع بحث قضائي لمدّة تزيد عن الساعتين وتقديم العصير لها، وكذا التدوينات المتعلّقة (بضغطة زر) التي ترتبط بالاستفسارات المتعلقة بعدم إنجاز القاضي للأشغال المكلّف بها، والتدوينة المعنونة (فاش كيكون المدير أكبر سلايتي)، التي تعتبر إيحاء للاستفسارات حول التغيب عن العمل والتأخير في حضور الجلسات، وكذلك التدوينات التي تتحدث عن (صديقي المرحاض)، وعن (المسؤول الفاشل) و(قناص الذباب) والموجّهة من القاضي مباشرة لرئيسه المباشر، وتقصده بصفته المهنية وتلمح له حتّى بصفته الفيزيولوجية، التي جعلها القاضي المتابع مثار سخرية واستهزاء؛

 وحيث إنّه لئن كان القضاة يتمتعون بحرية التعبير، بمقتضى الفصل 111 من الدستور والمادة 37 من النظام الأساسي للقضاة، فإنّ الدستور والقانون قد قيّدا هذا الحق بعدّة قيود. حيث نص الفصل 111 من الدستور على أنّ: (للقضاة الحق في حرية التعبير، بما يتلاءم مع واجب التحفظ والأخلاقيات القضائية). ونصّت المادة 37 من القانون التنظيمي رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة أنّه: (تطبيقاً لأحكام الفقرة الأولى من الفصل 111 من الدستور، للقضاة الحق في حرية التعبير بما يتلاءم مع واجب التحفظ والأخلاقيات القضائية، بما في ذلك الحفاظ على سمعة القضاء وهيبته واستقلاله)؛

وحيث يتجلى من هذين النصين أنّ ممارسة القاضي للحق في حرية التعبير ليست مطلقة، ولكنّها مقيّدة بقيود محدّدة في الدستور والقانون التنظيمي رقم 106.13. كما أنّ القانون التنظيمي المذكور أحال بمقتضى المادة 44 منه على التزام القضاة باحترام المبادئ والقواعد الواردة في مدونة الأخلاقيات القضائية، وعلى أن يحرصوا على احترام تقاليد القضاء وأعرافه والمحافظة عليها؛

وحيث إنّه لفهم حدود ممارسة الحق في حرية التعبير من قبل القضاة، يتعيّن الرجوع إلى المقتضيات المذكورة بالدستور والنظام الأساسي للقضاة ومدونة الأخلاقيات القضائية (المنشورة بالجريدة الرسمية يوم 8 مارس 2021). وكذلك إلى الأعراف والتقاليد القضائية المتوارثة والمرعية بين الأجيال القضائية؛

وحيث إنّ المجلس الأعلى للسلطة القضائية هو الذي يسهر على تطبيق جميع الضمانات الممنوحة للقضاة وحمايتها وتكريسها تنفيذاً لمقتضيات الفصل 113 من الدستور (الفقرة الأولى)، ومن بينها (حرية التعبير). وإنه وبنفس المستوى يسهر المجلس على ضمان احترام القيم القضائية والتشبث بها تطبيقاً للمادة 103 من القانون رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية؛

وحيث إنّ هذه القيم القضائية ضرورية لصيانة شرف وهيبة القضاء ولحماية سمعة القضاة باعتبارها من العناصر الأساسية للزيادة في منسوب الثقة في النظام القضائي، وأن غايتها هي دعم استقلال السلطة القضائية وحيادها وتجرّدها وتعزيز الثقة فيها؛

وحيث إنّ التدوينات المنشورة للعموم قد أخلّت بواجب التحفظ الذي يعدّ التزاماً دستورياً على القاضي. وذلك بنشره لأمور تتعلّق بالسير العادي للعمل القضائي، والتي كان يتوجّب إيجاد حلول لها بالطرق الإدارية والقضائية التي ينص عليها الدستور والقانون، ويعلمها القاضي نفسه، بدل اللجوء إلى التشهير بمؤسسة وكيل الملك واتّهامها بأمور شائنة، من شأنها أن تخدش صورة القضاء لدى الرأي العام، والتي لم يسبق للقاضي أن أخبر بها رؤساءه الأعلى ولا المجلس الأعلى للسلطة القضائية مطلقاً. وهو ما يدل على أنّ إرادته كانت هي التشهير بالمؤسسة القضائية، وليس التظلم من إجراءات إدارية أو معاملة غير قانونية،
ولا التبليغ عن مخالفات أو خروقات ارتكبها رئيسه. علماً أن القاضي يكون من أعرف الناس بوسائل التبليغ والتشكي والتظلم التي يتيحها القانون؛

وحيث كذلك أنّ التدوينات المنشورة للعموم تمّت خرقاً للأخلاقيات القضائية الواجب على القاضي احترامها بمناسبة ممارسته للحق الدستوري في حريّة التعبير، والتي يلزمه بها الفصل 111 من الدستور والمادة 37 من النظام الأساسي للقضاة، وذلك بالإساءة لسمعة القضاء، التي هي من سمعة القضاة. ولذلك فإنّ التشهير بسلوك الرئيس القضائي من طرف أحد القضاة – حتى في حالة صحة ما ينسب للرئيس – فيه مساس بسمعة القضاء وحط من قدره وتكسير لهيبته، وبالتالي يؤدّي إلى إنقاص الثقة فيه. وأنّ القاضي الحريص على "الاتزان والرصانة"، يمكنه أن يبلغ عن الجرائم والإخلالات والمخالفات أو يقدّم التظلمات بالطريقة القانونية والمسطرية التي لا تمس بسمعة المنظومة القضائية ولكنّها تسمح بمكافحة الجرائم والاختلالات في نفس الوقت؛

وحيث إنّ التدوينات المنشورة، قد أخلّت كذلك بالأخلاقيات القضائية في الجانب المتعلق باحترام القاضي لرؤسائه، وذلك من خلال التعابير والأوصاف والإيحاءات المستعملة لوصف شخص وكيل الملك، أو لانتقاد طريقة ممارسته لعمله. ولذلك فإنّ تعابير من قبيل "صديقي المرحاض"، و"قناص الذباب" وكذلك أوصاف تتحدث باستهزاء وسخرية عن خِلقة الشخص وصلعته وشعيرات برأسه، ليست بالتعابير المشرِّفة لقاضي يتوجّه بها إلى الرأي العام، ولو كان الحديث بشأن شخص مجهول، فبالأحرى وأن يفهم منه بوضوح – ولا سيما من قبل الجسم القضائي – أنّ المقصود هو الرئيس القضائي للمعني بالأمر، لارتباط تلك التدوينات بوقائع محدّدة ترتبط زمانياً وموضوعياً بالاستفسارات المهنية الموجّهة من وكيل الملك إلى القاضي المتابع. كما أنّ التشهير بالرئيس المباشر والإيحاء بفساده والإشارة إلى ممتلكاته واتّهامه بالجهل علانية وبأسلوب مستفز وخالٍ من اللباقة، هو فضلاً على أنه غير جدير قوله من طرف قاض يتقيد بالأخلاقيات القضائية، فإنّ فيه مساس بسمعة الرئيس القضائي. وأنّ من شأن ذلك أن يسيء بسمعة القضاء ويضر بالثقة فيه؛

وحيث إنّ الدستور والنظام الأساسي للقضاة ومدونة الأخلاقيات القضائية ربطت ممارسة القضاة للحق في حرية التعبير، بما يتلاءم مع واجب التحفظ والأخلاقيات القضائية وبالحفاظ على سمعة القضاء وهيبته واستقلاله؛

وحيث إن المادة 21 من مدونة الأخلاقيات حدّدت القصد من واجب التحفظ في (حرص القاضي في سلوكه وتعبيره على الاتزان والرصانة، وعدم إبداء آراء أو مواقف من شأنها المساس بثقة المتقاضين في استقلال وحياد القضاء، وذلك مهما كانت وسائل الاتصال ومواقع التواصل المستخدمة

وحيث نصّت تطبيقات المادة المذكورة من مدونة الأخلاقيات على أنّه على القاضي (أن يحرص على عدم الإساءة لسمعة القضاء)، وأن عليه أن (يتجنب الدخول في سجالات قد تؤثر سلباً على صورته كقاض وعلى هيبة القضاء

وحيث نصّت المدونة كذلك على أن استخدام القاضي لشبكات التواصل الاجتماعي لممارسة الحق في حرية التعبير (يجب أن يتناسب مع احترامه للالتزامات الأخلاقية الواردة في مدونة الأخلاقيات)، وأنّ عليه أن (يلتزم بدرجة عالية من الحذر عند التعبير عن آرائه ومواقفه .. سواء أفصح عن صفته القضائية أم لا، وسواء تعلق الأمر بالشأن القضائي
أو بحياته الخاصة أو بأي شيء آخر

وحيث نصّت المدونة كذلك على أن (يبتعد القاضي عن كل ما هو مسيء لسمعة القضاء .. وأن يراعي المكانة الاعتبارية للقضاة سواء في الكتابات أو التعليقات أو الردود المعبر عنها بواسطة الوسائط الاجتماعية

وحيث أوجبت مدونة الأخلاقيات على القاضي أيضاً أن (يحترم الشرف والوقار والكرامة، وألاَّ يستخدم لغة مشينة أو غير لائقة) ... (وأن يستحضر الأخلاق التي يجب أن يتمتع بها، ويبتعد عن العبارات الغامضة والمستفزة والتلميحات التي يهدف منها إرسال إشارات سلبية وغير لائقة، وإضعاف ثقة العموم من المؤسسة القضائية) تطبيقاً للمادة 21 منها؛

وحيث نصّت مدونة الأخلاقيات كذلك على ضرورة اتسام القاضي باللباقة، ويقصد بها في منظور المادة 24 من المدونة : (التصرف السليم والجيد، الذي يجسد القاضي من خلاله التزامه بالقيم الإنسانية وآداب التعامل والتحلي بالخصال الحميدة وإظهار الاحترام المتبادل بينه وبين المسؤولين القضائيين ...

وحيث إن الهدف من احترام مبدأ اللباقة هو اجتناب الإساءة لسمعة القضاء، والحفاظ على هيبة الهيئة القضائية، واحترام المبادئ السامية والأخلاقية لمهنة القضاء، وأن من شأن حسن سلوك القاضي تحسيس وإشعار المتقاضين بحماية حقوقهم (المادة 25 من المدونة)؛

وحيث نصّت المادة 26 من المدونة المتعلقة ببعض تطبيقات مبدأ اللباقة على التزام القاضي "باحترام آداب وتقاليد وأعراف القضاء"، وعلى "مراعاة أدبيات التعامل والحديث مع الجميع، بما يستوجبه ذلك من تجنب الألفاظ الجارحة والمساس بالحياة الشخصية

وحيث، لأجل ذلك، فإن القاضي المتابع، يكون قد خرق المقتضيات الدستورية والقانونية المؤطرة لممارسة الحق في حرية التعبير، وخرق واجبات التحفظ والأخلاقيات القضائية وكذلك القواعد المهنية التي تحدد شكل التعامل والعلاقة بين القضاة ورؤسائهم؛

وحيث إن هذا الإخلال بالأخلاقيات القضائية قد مس صفات الشرف والوقار والكرامة التي يجب أن يتحلى بها القاضي، وأنه تجلى في تصرفات واضحة لا لبس فيها، وتنم عن تهور ورعونة في السلوك، ومن شأنها الإساءة لحرمة القضاء والإضرار بصورته، وتتجلى فيه كل عناصر الخطأ الجسيم المنصوص عليه في الفقرة الأخيرة من المادة 97 من النظام الأساسي للقضاة؛

وحيث إنّ القاضي المتابع قد ارتكب كذلك إخلالاً جسيماً آخر، يتجلى في الإهمال والتأخير المتكرر وغير المبرر في إنجاز المهام التي يكلف بها، ودون أن تكون تتجاوز طاقته، مادام أن أضعف إنتاج لزملائه كان في حدود ضعف ما أنجزه هو خلال سنة 2022، وأن بعضهم أنتج أكثر منه ثلاث مرات، فإنه يكون كذلك قد ارتكب الخطأ الجسيم المنصوص عليه في البند 3 من المادة 97 من النظام الأساسي للقضاة. فضلاً عن تأخره عن حضور الجلسات وتغيبه عن العمل بدون عذر مقبول؛

وحيث إنه خلافاً لما ادعاه القاضي المتابع في جوابه على استفسار وجهه له وكيل الملك بتاريخ 11 ماي 2022 من كونه لا يعلم بسبب استهدافه، ولا يعرف ما إذا كان بسبب ممارسته لعمله الجمعوي، أو بسبب تشبثه باستقلال القضاء ودفاعه عنه، فإن المجلس لم يطلع ضمن وثائق الملف، ولا من خلال مناقشته للقضية بالمجلس التأديبي، على أي مؤشر يستدل منه على وجود علاقة للممارسة الجمعوية بالإجراءات التي اتخذها وكيل الملك. والتي انحصرت في الأفعال المشار إليها في هذا القرار؛

كما أن المجلس لم يقف في تفاصيل هذا الملف على أي وجه من وجوه الدفاع عن القضاء قام به القاضي المتابع، اللهم إلاَّ إذا كان يعتبر التشهير بالمسؤول القضائي، واستعمال تعابير تسيئ لهيبة القضاء ضرباً من ضروب الدفاع عن استقلاله؛

وحيث إن محاولة استعمال هذا الأسلوب من طرف قاضٍ للتهرب من مسؤولياته المهنية والأخلاقية، دون دليل ولا برهان، يندرج ضمن الإخلالات بالأخلاقيات القضائية؛

وحيث إنّ الأفعال المرتكبة من طرف السيّد (س) تشكّل إخلالات خطيرة بالضوابط الدستورية والأخلاقية المؤطرة لمهنة القضاء وموجبة للمعاقبة التأديبية؛

وحيث إنّه واعتباراً لخطورة الأفعال المرتكبة وتعددها، وأخذاً بعين الاعتبار لسبقية مؤاخذة المعني بالأمر وبإخلاله بواجب التحفظ والأخلاقيات القضائية سنة 2021، واعتماداً على مبدأ التناسب بين الأفعال المرتكبة والعقوبة التأديبية المنصوص عليه في المادة 99 من القانون التنظيمي رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة؛

لأجلــــــــــــه

قرّر المجلس اتخاذ عقوبة الانقطاع عن العمل في حق السيّد (س)، نائب وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية ب*****، من أجل ما نسب إليه من إخلال بالواجبات المهنية وبواجب اللباقة والشرف والوقار والكرامة.