موجب الإحالة: الإخلال بالواجب المهني 10/12/2021
لا يعتبر المجلس درجة من درجات التقاضي لتصحيح الأحكام أو مراجعتها، غير أنّ مهامه التأديبية تُسوِّغ له الاطلاع على المقررات القضائية لترتيب الأثر القانوني المناسب بشأن الوضعية التأديبية للقاضي؛
يلزم مبدأ التطبيق العادل للقانون القاضي بذل عناية في ممارسة مهامه تتّسم بالحذر والدقة والضبط والمتوقع أن يكون عليها أي قاض له مستوى معقول من اليقظة والتبصر في الظروف نفسها أو في أخرى مشابهة؛
يعدّ إخلالاً بالواجب المهني عدم عناية هيئة الاستئناف بدراسة القضية، عند تأييد وتبني تعليلات الحكم الابتدائي الذي اعتمد بدوره على استنتاجات وخلاصات خبرة دون التأكد من صحتها؛
يُساءَل القاضي تأديبيا عن كل إخلال ارتكبه أثناء ممارسته لسلطته التقديرية من قبيل التعسف والإهمال والغلو والتقصير، وكلما شكل هذا الإخلال خرقا لمبدأ التطبيق العادل للقانون وخروجا على الأسس والضوابط المعقولة؛
لا أثر لتأييد محكمة الطعن لحكم القاضي المتابع على مجرى المتابعة التأديبية طالما تعلق الأمر بخطإ مهني أدّى إلى عدم التطبيق العادل للقانون، ولا سيما إذا ارتكبت هذه الأخيرة -محكمة الطعن- إخلالا مماثلاً؛
لا ينفي رفض محكمة النقض للطعن مسؤولية القاضي المتابع لانصراف قضاء محكمة النقض إلى مراجعة القرار المطعون فيه في حدود الوسائل المثارة ودون البت في صحة الوقائع.
قضية السيدة (س)،
المستشارة بمحكمة الاستئناف ب*****
بتاريخ 12 أكتوبر 2021،
إن المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وهو يبت في القضايا التأديبية برئاسة السيد: مَحمد عبد النباوي، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية وعضوية السادة: مولاي الحسن الداكي- محمد بنعليلو - آمنة بوعياش- أحمد الغزلي - محمد أمين بنعبد الله - محمد زاوك – محمد الناصر – محمد خالد العرايشي - ماجدة الداودي - الحسن أطلس – حسن جابر - ياسين مخلي - عائشة الناصري- فيصل شوقي – حجيبة البخاري - محمد جلال الموسوي - عادل نظام -عبد الكريم الأعزاني ؛
وبحضور السيد مصطفى الابزار، الأمين العام للمجلس الأعلى للسلطة القضائية؛
بناء على دستور المملكة ولاسيما الفصل 113 منه؛
وبناء على مقتضيات القانون التنظيمي رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.16.40 بتاريخ 14جمادى الثانية 1437)24 مارس 2016(؛
وبناء على مقتضيات القانون التنظيمي رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.16.41 بتاريخ 14 جمادى الثانية 1437 )24 مارس 2016(؛
وبناء على النظام الداخلي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية المنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 09 نونبر 2017؛
الوقائع
يستفاد من سائر وثائق ملف التأديب أن المفتشية العامة للشؤون القضائية أنجزت تقريرا بتاريخ 17/11/2020 تحت عدد ***** في الملف رقم ***** بشأن الأبحاث والتحريات المجراة حول ما نسب إلى السيدة (س)، المستشارة بمحكمة الاستئناف ب***** ، من إخلالات مهنية، مفاده أن المفتشية العامة توصلت بتاريخ 05/12/2019 بمذكرة الأمين العام للمجلس الأعلى للسلطة القضائية مرفقة بنسخة من كتاب السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض حول أحكام قضائية صادرة ضد الشركة (أ) في الملف الجنحي الاستئنافي عدد ***** بمحكمة الاستئناف ب*****، من أجل النصب عن طريق الاستمرار في تحصيل دين انقضى بالوفاء، تتلخص وقائعه في أن الشركة (ب) تقدمت بشكاية تدعي فيها أنه بتاريخ 30/05/2016 كانت قد منحت كمبيالة تحت عدد ***** مستحقة الأداء بمجرد الاطلاع لـ الشركة (أ) تحمل مبلغ 2.378.894,00 درهم.، والتي عوّضَت بـها 24 كمبيالة كانت قد حُكم بأداء قيمتها من طرف المحكمة التجارية ب***** بتاريخ 20/04/2016 بمقتضى الأمر بالأداء رقم ***** في الملف رقم *****، وأنه رغم قيامها بتحويل قيمة الكمبيالة بتاريخ 06/06/2016 إلى حساب "الشركة (أ) "، فإن هذه الأخيرة قد استصـدرت أحكاما قضائيـة بالأداء، وباشرت التنفيذ بشأنها، مع إجراء حجز تنفيذي على منقولات المشتكية وحساباتها البنكية وحـجز ما لها لدى الغير، وأنها بسبب ذلك تكبدت أضرارا وخسائر مادية جسيمة، كلفتها أداء غرامات عن كل يوم تأخير في تنفيذ مشروع البناء لفائدة (ج) الذي كانت مرتبطة به بعقد أشغال.
وعند الاستماع تمهيديا إلى الممثل القانوني للشركة المشتكى بها، صرح أن الخدمات المسداة للمشتكية بلغت قيمتها 12 مليون درهم وأن هذه الأخيرة منحتهم فقط مبلغ 2378894.00درهم عن طريق التحويل البنكي، وأن الكمبيالة المعروضة لازالت دون أداء، وأن الشهادة البنكية المضمن بها رقم الكمبيالة لم يتم استخراجها من النظام المعلوماتي للوكالة البنكية، وأن المعلومات المضمنة بخط اليد على وثيقة الإعلان بالمديونية (َAvis de débit) التي أدلت بها المشتكية مزورة ولم تضمن بالإعلان بالدائنية (Avis de crédit)، الذي توصلت به الشركة (أ)، بالمبلغ المحول إلى حسابها، وأن الحجز الذي تم على معدات الشركة المشتكية هو حجز قانوني؛
وبعد أن تابعت النيابة العامة لدى المحكمة الابتدائية ب***** "الشركة (أ)" من أجل جنحة النصب عن طريق الاستمرار في تحصيل دين انقضى بالوفاء، أصدرت المحكمة الابتدائية ب***** بتاريخ 19/07/2017 أمرا بإجراء خبرة عُهد بها إلى الخبير "*****"، والذي أودع تقريره بخلاصة "أن المشتكى بها تسببت للمشتكية في مجموعة من الأضرار أثرت على نشاطها العادي من الناحية المادية و المعنوية نتيجة محاولتها استيفاء الدين لأكثر من مرة"، فصدر الحكم في الموضوع بتاريخ24/01/2018 بمؤاخذة المتهمة ومعاقبتها بغرامة 5.000,00 درهم نافذة، وفي الدعوى المدنية التابعة بأدائها لفائدة المطالبة بالحق المدني تعويضا إجماليا قدره 135.744.000,00 درهم.
وبعد استئناف المحكوم عليها الحكم، أصدرت محكمة الاستئناف ب***** بتاريخ 04/06/2018 أمرا بإجراء خبرة قام بها الخبيـر السيـد ***** الذي أنجز تقريرا انتهى فيه إلى نفس خلاصات الخبير المنتدب من المحكمة الابتدائية مع رفع قدر مبلغ التعويض المستحق إلى 138.478.100،00 درهم. وقد حضر الخبير أمام المحكمة وتمت مناقشة محتوى تقريره وصدر قرار محكمة الاستئناف بتاريخ 25/03/2019 بتأييد الحكم الابتدائي؛
وعند الاستماع المستشارة السيدة ***** أمام المفتشية العامة للشؤون القضائية أفادت أنها كانت عضوة في الهيئة التي أصدرت القرار، وتم تأييد الحكم الابتدائي، على اعتبار أن الأمر تقني والخبير توصل إلى أن الشركة المشتكية خسرت الصفقات والسمعة، والخبير هو الكفء في تحديد هذه الخسارة لكونه مختصا ومحلفا، مع العلم أنه تم إجراء خبرتين وكانتا متقاربتين في نتيجتهما. وأن أعضاء الهيئة تداولوا في الملف بشكل قانوني، وأبدى كل واحد وجهة نظره، وتم الاطلاع على تقرير الخبرة والاعتماد على خلاصتها التي لا يمكن للقاضي التصرف فيها، وأن المحكمة اعتمدت في تقدير التعويض على الجسامة التي تكبدتها الشركة نتيجة حجز الشاحنات والمعدات. وأضافت أن الطرف المحكوم عليه لم يوضح هذه النقط بعد تعقيبه على الخبرة، خصوصا وأن الخبير أخذ بالاعتبار الصفقات التي سوف تخسرها خلال سنة 2017. وأن القرار صدر عن قناعة أعضاء الهيئة الحاكمة ولم يتدخل أي شخص في هذا الملف.
وبناء على المقرر الذي اتخذه المجلس الأعلى للسلطة القضائية في اجتماعه المنعقد بتاريخ 29 دجنبر 2020 بتعيين السيد *****، الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف ب*****مقررا في القضية طبقا للمادة 88 من القانون المنظم له؛
وعند الاستماع إليها من قبل المقرر، أكدت التصريحات التي أدلت بها أمام المفتشية العامة للشؤون القضائية؛
وبالاطلاع على تقرير الخبرة المنجزة من قبل الخبير ***** بتاريخ 21/09/2018، يتبين أن هذا الأخير بين أولا جميع الإجراءات القضائية التي باشرتها الشركة (أ) (الشركة المتهمة) وكذا (ب) (المشتكية)، وهي كالآتي:
ü منحت الشركة المشتكية للشركة المتهمة، في إطار المعاملات التجارية بينهما، 24 كمبيالة، تاريخ استحقاق أولاها هو 15/05/2014 وآخرها هو 06/12/2015، بما مجموعه 2.378.894،09 درهم أرجعت جميعها بتاريخ استحقاقها دون أداء؛
ü استصدرت الشركة المتهمة بتاريخ 20/04/2016 (ملف *****) من المحكمة التجارية ب***** أمرا بأداء الشركة المشتكية مبلغ 2.378.894،09 درهم. وعلى إثره استصدرت عن المحكمة التجارية ب***** بتاريخ 18/05/2016 أمرا بحجز ما للمدينة لدى (ج) بالمبلغ المذكور (ملف*****).
ü واستخلصت مبلغ 80.000،00 درهم عن الكمبيالة *****، وهي كمبيالة من بين 24 غير المؤداة، كما يفيد بذلك محضر التنفيذ بالأداء المؤرخ في ملف التنفيذ رقم *****، تنفيذا للأمر ***** الصادر عن المحكمة التجارية ب***** بتاريخ 20/04/2016؛
ü بتاريخ 30/05/2016 تم تعويض الأربع وعشرين كمبيالة المرجعة دون أداء بالكمبيالة دون أجل عدد ***** المسحوبة على ***** بالمبلغ أعلاه لفائدة المتهمة؛
ü وبعد تقديم الكمبيالة للأداء، فأرجعت بدورها دون أداء بسبب "عدم توفر مؤونة"؛
ü وبتاريخ 06/06/2016 استصدرت الشركة المتهمة من المحكمة التجارية ب***** الأمر عدد ***** بأداء المشتكية للمتهمة مبلغ 2.378894،00 درهم؛
ü وبنفس التاريخ أي 06/06/2016، قامت المشتكية بتحويل بنكي للمبلغ المذكور من حسابها المفتوح لدى ***** لحساب الشركة المتهمة؛
ü وبتاريخ 09/06/2016 وتنفيذا للأمر بالأداء عدد *****، تم إجراء حجز تنفيذي على ثمان شاحنات وسيارتين في ملكية الشركة المشتكية مع تعيين الممثل القانوني لهذه الأخيرة حارسا عليها (ملف التنفيذ عدد *****)؛
ü بتاريخ 21/06/2016 تم استصدار خمسة أوامر عن المحكمة التجارية ب***** بحجز ما للمدينة، الشركة المشتكية، على مبلغ 2.378.894،00 درهم لدى ***** و***** و ***** و*****. وبتاريخ 23/06/2016 تم استصدار أمر سادس عن نفس المحكمة بحجز ما للمدينة لدى *****. وبتاريخ 24/06/2016 استصدرت المتهمة عن المحكمة التجارية ب***** أمرا بحجز ما للمدينة لدى (ج) بالمبلغ المذكور (ملف *****). وأشار الخبير أنه لا يوجد ما يفيد تنفيذ تلك الحجوزات؛
ü بتاريخ 25/07/2016، استصدرت الشركة المشتكية حكما عن المحكمة التجارية ب***** بإيقاف تنفيذ الأمر بالأداء ***** (الملف *****) وحكما آخر بإلغائه (الملف *****)؛ كلاهما من أجل عدم الاختصاص المكاني للمحكمة التجارية ب*****؛
ü وبتاريخ 03/08/2016 استصدرت الشركة المتهمة عن المحكمة التجارية ب***** أمرا بأداء مبلغ 2.378.894،09 درهم لفائدتها في ملف عدد ***** والفائدة القانونية ابتداء من 01/06/2016 إلى يوم التنفيذ. ولضمانه قامت بتاريخ 04/08/2016 بإجراء حجز تحفظي على آلة دكاكة وآلة سكراب المتواجدتين بمستودع ***** (ملف *****)؛
ü وبتاريخ 10/08/2016 استصدرت الشركة المتهمة عن المحكمة التجارية ب***** مجموعة من الحجوزات التحفظية لضمان أداء مبلغ 4.757.788.09 درهم؛
ü واستخلصت الشركة (أ) مقابل الكمبيالة رقم ***** بمبلغ 80.000،00 درهم،( وهي من 24 كمبيالة غير المؤداة)،
وقد خلص الخبير إلى أن الأربع وعشرين كمبيالة تم تعويضها بالكمبيالة رقم ***** وتمت تسويتها عبر التحويل البنكي. وأن الأحكام الصادرة عن مختلف المحاكم وكذا الحجوزات التي باشرتها ضد (ب) بعد التحويل البنكي يعد استخلاصا للدين مرة أخرى، حيث تم استنفاذ مسطرة الحجز التنفيذي بخصوص منقولات الشركة المشتكية. وأن الشركة (أ) رغم حصولها على مبلغ الدين واصلت سلوك مسطرة الأمر بالأداء وقد استخلصت من بين الكمبيالات الأربع وعشرين كمبيالة بمبلغ 80.000،00 درهم، أي استخلصت جزءا من الدين. وأنها قامت بإجراء حجز تحفظي بناء على 24 كمبيالة رغم أنها استخلصت واحدة منها. وبالتالي استخلصت الدين لأكثر من مرة، بعد أن استخلصت الدين بمبلغ 2.378.894،00 بتاريخ 06/06/2016 عن طريق تحويل بنكي، بإجراء الحجوزات على الحسابات البنكية، والحجز لدى الغير، والحجز على وسائل النقل والمعدات، والأصل التجاري، وسلوك مسطرة البيع بالمزاد العلني؛
وبخصوص التعويض، فقد خلص الخبير إلى أنه بسبب تلك الإجراءات والحجوزات تكبدت المشتكية (ب) مجموعة من الأضرار، حيث تسببت في:
ü توقف ورش في مرحلته النهائية وعدم تنفيذ صفقات أخرى، وعدم احترام التزاماتها التعاقدية؛
ü إعادة النظر في التسهيلات الممنوحة لها،
ü عدم القدرة على إنهاء الأشغال مما تسبب في إلغاء الصفقة رقم ***** بقيمة 84.409.922،52 درهم والصفقة رقم ***** بقيمة 43.728.116،40 درهم وصفقات أخرى؛
ü رفض الأبناك منح كفالات بنكية للمشاركة في صفقات جديدة؛
ü اللجوء إلى كراء شاحنات لتعويض تلك المحجوزة؛
ü رفض الأبناك منح الشركة الاستفادة من تسديدات لفائدة دائنيها (أجراء المؤسسات الاجتماعية والإدارة الجبائية)، تسببت في متابعات قضائية في مواجهتها؛
ü عدم الحصول على شهادة حسن تنفيذ الصفقات الضرورية للمشاركة في صفقات جديدة؛
وقد قدر الخبير المجموع الإجمالي للأضرار التي تكبدتها الشركة المشتكية في مبلغ 138.478.000،00 درهم. وحدد هذا المبلغ على أساس فقدان هامش الربح والخسارة الناتجة عن حجز المعدات:
وبناء على التقرير المنجز من طرف المقرر سالف الذكر والذي ضمنه مجموع ما قام به من إجراءات بما فيها سماع أقوال القاضية المتابعة؛
وبناء على المقرر الذي اتخذه المجلس الأعلى للسلطة القضائية في اجتماعه المنعقد بتاريخ 21 شتنبر 2021 بإحالة المستشارة ***** على أنظاره لجدية ما نسب إليها من ارتكاب إخلالات مهنية طبقا لمقتضيات المادة 96 من القانون التنظيمي المنظم له؛
وبناء على جميع وثائق الملف التأديبي للسيدة ***** والتي تم وضعها رهن إشارتها؛
وبناء على الاستدعاء الموجه للمعنية بالأمر للمثول أمام أنظار المجلس لجلسة 05 أكتوبر 2021، توصلت به بتاريخ 24 شتنبر 2021، وتم تأجيل نظر الجلسة بطلب منه حُدّد لها يوم 12 أكتوبر 2021، حضرتها ومعها للمؤازرة الأستاذ ***** المحامي بهيئة *****، وأعطيت الكلمة للسيد المقرر الذي قدم عرضا موجزا بوقائع القضية، وأعطيت الكلمة للسيدة (س) التي أكدت تصريحاتها في الملف، وتناول دفاعها الكلمة ملتمسا براءة مؤازرته استنادا إلى عناصر أهمها ثبوت الفعل الجرمي ، مفيدا أن الخبرة أكدت فعلا استمرار تحصيل الدين من خلال الوثائق، وملامسة الخبرة الابتدائية الحقيقة في كثير من الأحيان، فقد أرفق بها الخبير مجموع من الوثائق تثبت نوع الضرر وحجمه والفرص والربح التي فوتت على المشتكية. وأنه تمت مناقشة تقرير الخبرة المنجز في أدق تفاصيله. وأن محكمة النقض بسطت رقابتها على إجراءات الخبرة واعتبرت التعليل سليما. وأشار إلى أن مسار السيدة (س) مطبوع بالجدية والنزاهة والأخلاق الحسنة وأدلى بمذكرة دفاعية في الموضوع ملتمسا حفظ القضية في حقها ؛
وبعد المداولة طبقا للقانون
حيث أحيلت السيدة (س)، المستشارة بمحكمة الاستئناف ب***** على أنظار هذا المجلس من أجل الإخلال بالواجبات المهنية؛
وحيث في جوابها على المتابعة تمسكت المستشارة المتابعة بأن القرار الصادر عن محكمة الاستئناف استند إلى إجراءات تحقيق إضافية ومدققة وقد حسمت محكمة النقض في النزاع برفضها طلب الطعن؛
وحيث إنه إذا كان المجلس الأعلى للسلطة القضائيةليس درجة من درجات التقاضي لتصحيح الأحكام أو مراجعتها، فإن مهامه في مراقبة الإخلالات المهنية للقضاة تسمح له بالاطلاع على المقررات القضائية ودراستها على ضوء الالتزامات والواجبات المهنية والأخلاقية المفروضة على القضاة، دون أن يغير من قضائهم أو يصحح أحكامهم، وإنما لترتيب الأثر القانوني المناسب بشأن الوضعية التأديبية للقاضي فقط؛
كما أنه لئن كان تقدير الأدلة والوقائع من صميم سلطة محكمة الموضوع ولا تخضع في ذلك لرقابة محكمة النقض إلا فيما يخص التعليل، فإن المجلس الأعلى للسلطة القضائية، هو الجهة المخول لها مساءلة القاضي تأديبيا عن كل إخلال ارتكبه أثناء ممارسته لتلك السلطة التقديرية. وأن رقابة المجلس تنصرف إلى كيفية ممارسة القاضي لسلطته التقديرية متى اتسمت بتعسف أو إهمال واضح في استعمالها، أو بغلو أو بتقصير بين في تقديرها بشكل يخرج على الأسس والضوابط المعقولة، التي تمس بصورة العدالة ولا تعطي الانطباع على التطبيق العادل للقانون. ويمكن للمجلس، لتقدير ذلك، أن يعتمد على جميع وسائل الإثبات؛
وحيث إن المادة 96 من القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة تعتبر كل إخلال من القاضي بواجباته المهنية خطأ من شأنه أن يكون محل عقوبة تأديبية؛
وحيث إن الواجبات المهنية تتمثل في جميع الالتزامات التي يضعها القانون على عاتق القاضي، والتي يشكل كل إخلال بإحداها أساسا للمساءلة التأديبية؛
وحيث إن من أهم تلك الالتزامات ما نص عليه الفصل 110 من الدستور وما نصت عليه المادة 42 من القانون التنظيمي رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة والمتمثل في التطبيق العادل للقانون. وهو الالتزام المندرج كذلك ضمن اليمين القانونية التي يؤديها القاضي قبل شروعه في ممارسة مهامه القضائية بمقتضى المادة 40 من نفس القانون. كما يتجلى فيما يفرضه القانون على القاضي من تفان وحرص وعناية، ومن سهر على حقوق الأشخاص وحرياتهم وأمنهم، ومن ضرورة تطبيق القانون بمقتضى الفصل 117 من الدستور والمادة 41 من النظام الأساسي للقضاة؛
وحيث إن ممارسة القاضي لمهامه بحياد وتجرد وإخلاص وتفان تعد من مشمولات اليمين القانونية للقاضي، التي يعتبر الإخلال بها إخلالا بالواجبات المهنية. وهو ما يتطلب من القاضي أن يولي القضية التي ينظر فيها العناية الواجبة، بأن يحرص على إعطائها الوقت الكافي من الدراسة القبلية والبحث والتمحيص لجميع وثائق ومستندات الملف، ليتمكن من فهم النزاع المعروض عليه والمراكز القانونية لمختلف الأطراف، ويبني قناعاته القانونية على أسس واقعية وقانونية سليمة وضوابط معقولة، يعكسها في تعليل واضح وكاف يبين رأي المحكمة دونما حاجة إلى الرجوع إلى وثائق أخرى بما في ذلك تقارير الخبرة؛
وحيث إن العناية الواجبة المطلوب من القاضي بذلها في ممارسة مهامه هي تلك العناية المهنية المتسمة بالحذر والدقة والضبط والمتوقع أن يكون عليها أي قاض له مستوى معقول من اليقظة والتبصر في الظروف نفسها أو في أخرى مشابهة؛
وحيث إن تقصير القاضية في بذل ذلك القدر المطلوب من العناية وعدم أخذها له بعين الاعتبار في أدائها المهني يعد إخلالا بالواجب المهني؛
وحيث إنه من صميم عناية القاضي بالقضايا التي يدرسها عدم تفويض البت في النزاعات أو جزء من وقائعها أو نقطها القانونية إلى الغير بمن فيهم الخبراء، الذين ينحصر دورهم في الأمور التقنية والفنية، والتي يرجع تقديرها في كل الأحوال للقاضي؛
وحيث ثبت للمجلس من خلال دراسته لجميع وثائق الملف، أن المستشارة المتابعة شاركت في مناقشة وإصدار قرار محكمة الاستئناف سالف الذكر الذي شابه التقصير والإهمال في دراسة الملف، بعد أن أوكلت الهيئة المصدرة للقرار للخبير مهمة التأكد من واقعة تحصيل الدين أكثر من مرة والتي تدخل في صميم صلاحيات المحكمة، التي لا يمكن تفويضها للغير، وكلفته بتحديد الأضرار اللاحقة بالمطالبة بالحق المدني من جراء ذلك دون تقييده بنقط وأسئلة فنية، ومن غير مناقشته للمعايير المعتمد عليها، وتبنت ما خلصت إليه لتكوين قناعتها بثبوت ارتكاب الشركة المتهمة للجنحة موضوع المتابعة، ومن تم أيدت الحكم الابتدائي وتبنت تعليلاته ومنطوقه بعد القول بمصادقة المحكمة الابتدائية للصواب فيما قضت به من إدانة الشركة المتهمة وأدائها التعويض عن الضرر بالمبلغ الذي قدره الخبير في 135.744.000,00 درهم، والذي يمثل 57 مرة ضعف قيمة الدين موضوع الدعوى.، دون أن تبسط رقابتها على تلك الخبرة والمستندات المعتمدة من قبل الخبير. ودون أن تتحقق من سلامة الأسس والمعايير التي ارتكزت عليها. سيما وأن تقرير الخبير، الذي صادقت عليه المحكمة الابتدائية قد وضح المعايير التي اعتمد عليها سواء لإثبات الاستمرار في استخلاص الدين رغم الوفاء به، أو فيما يتعلق بالأضرار اللاحقة بالشركة المطالبة بالحق المدني من جراء الحجوزات التي تم إجراؤها بطلب من المتهمة، وكذلك ما يتعلق باحتساب التعويض عن تلك الأضرار. فأيدت هيئة الاستئناف، التي كانت المستشارة المتابعة عضوة فيها، ذلك الحكم الابتدائي دون أن تبسط هي أيضا رقابتها لا عليه ولا على الخبرة التي اعتمدها. وقد كان حريا بالمستشارة المتابعة التي ناقشت وتداولت في القضية وساهمت في إصدار القرار بعد تكوين قناعتها أن تبذل ذلك القدر المطلوب من العناية الواجبة والتفاني في دراسة القضية ومناقشة حيثيات الحكم الابتدائي والمعايير التي اعتمدها الخبير المعين ابتدائيا وكذا المعين استئنافيا، والوقائع التي استندا إليها في إنجاز مهمتيهما وتقديم خلاصاتهما؛
وحيث يتضح من دراسة القرار الاستئنافي والحكم الابتدائي وتقرير الخبرتين المنجزتين في الملف والوثائق المدلى بها في الملف أن عدم عناية هيئة الاستئناف بدراسة القضية، عند تأييد وتبني تعليلات الحكم الابتدائي الذي اعتمد بدوره على استنتاجات وخلاصات خبرة دون التأكد من صحتها، أدى إلى عدة تساؤلات حول مدى التطبيق العادل للقانون بالنسبة للقرار الصادر في القضية المعنية مما يضر بصورة العدالة، ويمس بمصداقية الأحكام؛
وحيث يكفي للتدليل على ذلك الإشارة إلى النقط التالية:
وحيث إن تأييد محكمة الاستئناف لحكم تبنى خلاصات تقرير الخبرة لا يتضمن أي توضيح لما اعتمده الخبير من معايير، وتقدير المدد والآجال، ولما تضمنه من تناقضات في أسباب الضرر، وعدم التحقق من وقوع الأضرار ومن نسبتها مباشرة إلى الفعل الجرمي، وكذلك من تقدير للتعويض يعوزه التبرير الواقعي والقانوني، مما أدى إلى تأييد حكم قضى بتعويض يتجاوز 57 مرة المبلغ المحجوز؛
وحيث ثبت للمجلس أن المستشارة قصرت في دراستها للقضية وفي إيلاء العناية الواجبة عليها عند تفويضها، مع باقي أعضاء هيئة الاستئناف، للخبير البت في نقطة نزاعية واقعية تتعلق بثبوت فعل تحصيل الدين أكثر من مرة وبالضرر الناتج عن ذلك، وعند تأييدها، مع باقي أعضاء هيئة الاستئناف، للحكم دون مناقشته والتأكد من سلامة ما قضى به؛
وحيث إن الدفع برفض طلب النقض غير مستند على أساس سليم، لأن محكمة النقض غير مختصة لتقدير الوقائع التي بني عليها الحكم المطعون فيه. بالإضافة إلى ارتباطها بالوسائل المثارة في مذكرة الطعن بالنقض؛
وحيث إنه، تبعا لما ذكر، تأكد للمجلس تقصير المستشارة في دراسة الملف وفي فحص مستنداته ولا سيما مناقشة تعليلات الحكم وتقرير الخبرة، وهو ما يشكل إخلالا بالواجب المهني يستلزم مؤاخذتها من أجلها؛
وحيث إن التقصير المذكور قد أدى إلى عدم التطبيق العادل للقانون من جراء الحكم بتعويض ضخم جدا لا يجد تبريره في حيثيات الحكم الابتدائي ولا في حيثيات الحكم الاستئنافي المؤيد له، ولا في وثائق الملف؛
وحيث إنه اعتبارا للمسار المهني للمستشارة المتابعة، وللتقييم الإيجابي لعملها، فإن المجلس قرر جعل العقوبة في حقها تراعي هذا المسار والتقييم الإيجابيين؛
لأجله
قرر المجلس اتخاذ عقوبة الإنذار في حق السيدة *****، المستشارة بمحكمة الاستئناف ب*****.