موجب الإحالة: الإخلال بالواجب المهني وعدم التطبيق العادل للقانون. 6/11/2024
إن تصريحات القاضي المتابع بكون بعض وثائق الملف ومعطياته لم تعرض عليه ولم يطلع عليها لا يمكن أن تعفيه من- تحمل المسؤولية، باعتبار ان الواجب المهني يفرض عليه الاطلاع على جميع وثائق الملف الذي يبت فيه من أجل دراستها بشكل مستفيض بغية ترتيب الاثار القانونية عليها قبل اتخاذ القرار النهائي في الملف، امتثالا للواجب المقدس المفروض عليه بموجب نص الدستور والقانون والمتمثل في التزامه بالتطبيق العادل للقانون.
- من غير المقبول أن يقضي القاضي في ملف معين دون أن يطلع على كافة وثائقه وأن يحيط بمختلف وقائعه ومعطياته
قضية السيد: (س)
المستشار بمحكمة الاستئناف ب***
مقرر عدد: ***
أصل المقرّر محفوظ بالأمانة العامة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية
بتاريخ 4 ذو الحجة 1445 هـ الموافق ل 11 يونيو 2024
إن المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وهو يبت في القضايا التأديبية برئاسة السيد: مَحمد عبد النباوي الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية وبعضوية السادة: مولاي الحسن الداكي – أمينة بوعياش – محمد انوار بنعليلو - أحمد الغزلي - محمد زاوك - محمد الناصر – خالد العرايشي – عبد الله معوني- سعاد كوكاس- الزبير بوطالع - عبد اللطيف طهار- عبد اللطيف الشنتوف - يونس الزهري- عثمان الوكيلي- المصطفى رزقي- أمينة المالكي- نزهة مسافر.
بمساعدة السيد منير المنتصر بالله الأمين العام للمجلس الأعلى للسلطة القضائية؛
وبحضور السيد عبد الرحيم بحني كاتب المجلس الأعلى للسلطة القضائية؛
بناء على دستور المملكة ولاسيما الفصل 113 منه؛
وعلى مقتضيات القانون التنظيمي عدد 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية؛ الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.16.40 بتاريخ 14 جمادى الثانية 1437 (24 مارس 2016) كما تم تعديله وتغييره؛
وعلى مقتضيات القانون التنظيمي عدد 106.13 المتعلق بالنظام الاساسي للقضاة الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.16.41 بتاريخ 14 جمادى الثانية 1437، الموافق 24 مارس 2016 كما تم تعديله وتغييره؛
وبناء على النظام الداخلي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية المنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 09 نونبر 2017 كما تم تعديله وتغييره.
ملخص الوقائـع
1- مرحلة البحث:
تقدم السيد *** المحامي بهيئة ***، نيابة عن ذوي حقوق الهالك ***، بشكاية يعرض فيها أنه يتظلم من الإجراءات التي رافقت ملف التحقيق عدد *** الذي كان مفتوحا أمام قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف ب*** السيد ***، والمتعلق بجريمة القتل التي تعرض لها الهالك *** من طرف المتهم ***، بعدما تقدمت والدته بشكاية أمام السيد الوكيل العام للملك لدى نفس المحكمة قصد البحث في الواقعة وإعطاء التعليمات اللازمة لتفادي أي تلاعب يمكن أن يحصل في المسطرة، خاصة وأن القاتل " حسب الجهة المشتكية " يتوفر على علاقات نافذة يمكن أن تؤثر على مسار البحث، وأنه بعد القيام بالأبحاث والتحريات المطلوبة، اتضح أن المتهم *** احتسى الخمر ليلة 15 أكتوبر 2017 في مطعم "***" بساحة *** ب***، وفي حدود الواحدة صباحا أوصله نديمه المسمى *** إلى حيث يركن سيارته بميناء *** غير أنه فوجئ بالهالك *** يتقدم نحوه، وبعدما فشل في إبعاده ترجل من سيارته ووجه له ضربات عنيفة بواسطة آلة حادة وغادر مسرح الجريمة، وبعد اكتشاف الأمر تقدم الجاني أمام مصلحة حوادث السير بشرطة *** مدعيا أنه صدم الضحية بواسطة سيارته، غير أنه وبعد تعميق الأبحاث معه، بعدما اتضح من معاينة الشرطة أن سيارته لا تتضمن اي آثار للحادث كما أن مكان الحادثة المفترض لا يتضمن أي آثار وبعد العثور بمنزله على سروال وقميص يحملان بقع دم الضحية، تراجع عن تصريحه الأول وأكد أنه قام بضرب الهالك الذي سقط أرضا على رأسه، مؤكدا أن بقع الدم التي وجدت على ملابسه علقت به بعدما حاول تغيير معالم الجريمة بنقل الضحية الى مكان آخر، كما انه اعترف للضابطة القضائية عند إعادة تمثيل الجريمة بالطريقة التي ارتكب بها جريمة القتل موضحا ان الضحية بعد ضربه سقط أرضا على الرصيف وأغمي عليه، وأنه قام بحمله ونقله الى مكان آخر مخصص لوضع شباك الصيد على بعد مترين ثم لاذ بالفرار، وبعد إحالته على النيابة العامة التي التمست إجراء تحقيق إعدادي من أجل جناية الضرب والجرح بواسطة السلاح المفضيين إلى الموت دون نية إحداثه وتغيير معالم الجريمة وإهانة الضابطة القضائية بالبلاغ الكاذب، أحيل الملف على قاضي التحقيق السيد *** الذي لا يترك فرصة إلا ويبحث من خلالها عن سبيل للاغتناء ومراكمة الثروة، والدليل على ذلك الطريقة الماكرة التي دبر بها هذا الملف منذ إسناده إليه سنة 2017، إذ تركه في دائرة المهملات بعد اتصالات وعلاقات مشبوهة وبعد دفع رشوة تقدر بحوالي 100 مليون سنتيم، وأن القاضي المذكور ضرب كل الأبحاث التي قامت بها الضابطة القضائية في مسرح الجريمة وكافة الأدلة العلمية والتقنية الثابتة ثبوتا قطعيا، واعتبر أن هذه الجريمة الخطيرة مجرد حادثة سير، وأحالها على المحكمة الابتدائية للاختصاص، ثم طمس كل معالم هذا الملف بعد توصله بالمقابل، وأن والد الضحية السيد *** تم الضغط عليه وعلى زوجته *** من أجل إمضاء تنازل بتاريخ 18/11/2017، دون أن يعرفوا مضمونه، وهو الذي اعتمد عليه قاضي التحقيق في قراره، ملتمسا إعادة الأمور إلى نصابها والضرب على يد من تلاعب بدم الهالك ***.
بعد إحالة الشكاية على المفتشية العامة للشؤون القضائية، انتهت هذه الأخيرة بعد البحث الذي أجرته بموجب تقريرها عدد *** بتاريخ 08/09/2021 إلى اقتراح حفظ الشكاية، اعتبارا لكون ما انتهى إليه قاضي التحقيق والغرفة الجنحية يعبر عن تفسيرهما وتطبيقهما للقانون حسب فهمهما وقناعتهما، ولكون التحريات التي أجرتها لم تظهر وجود إخلالات مسطرية، وأن قرار الغرفة الجنحية المتظلم منه موضوع طعن بالنقض، وأن النقط الواردة في الشكاية هي نقط قانونية يرجع النظر فيها للمحكمة الأعلى درجة مهما كان مآل الطعن، كما لم يثبت وجود أي عنصر من عناصر سوء النية لدى قاضي التحقيق للقول بكون قرار قاضي التحقيق قد شابه أي نوع من أنواع التحيز.
وبعد عرض تقرير المفتشية العامة للشؤون القضائية على المجلس الأعلى للسلطة القضائية، خلال اجتماعه المنعقد بتاريخ 08/02/2022، قرر إرجاع الملف للمفتشية العامة للشؤون القضائية لإجراء الأبحاث والتحريات الضرورية فيما هو منسوب لقاضي التحقيق وأعضاء الغرفة الجنحية، وبصفة خاصة حول ظروف وملابسات قرار منح السراح المؤقت، وقرار عدم المتابعة وعدم تناول القرارين لمجموعة من القرائن والعناصر المستمدة من ملف النازلة، من قبيل تصريحات المتهمين بمرحلة البحث التمهيدي، وعدم مناقشة نتائج التشريح الطبي، ومحاضر معاينة بقع الدم على ملابس المتهم، ومعاينة عدم وجود آثار للحادثة على سيارة المتهم وفي المكان المفترض أنها وقعت فيه، والبحث في التوجهات السابقة للقضاة المعنيين في ملفات بوقائع مشابهة، وتقدير ثروة القاضي ***.
وبعد وضع المفتشية العامة يدها من جديد على الملف قامت بمكاتبة السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف ب*** قصد إجراء بحث حول ملابسات وظروف القضية، حيث أفاد السيد الوكيل العام للملك أن مصلحة الاستعلامات العامة أكدت، بعد البحث الذي أجرته، أن القرار القضائي المتظلم منه صدر في ظروف مشبوهة تزامنت مع بيع والد المتهم الأول *** لمقهى في ملكه بحوالي مليون درهم، وخلص السيد الوكيل العام للملك أن قرار قاضي التحقيق والغرفة الجنحية جانب الصواب عند استناده على إنكار المتهمين للمنسوب إليهما خلال مرحلة التحقيق، وتنازل ذوي حقوق الضحية للقول بعدم توفر وسائل إثبات كافية لمتابعتهما من أجل جناية الضرب والجرح العمديين بواسطة السلاح المؤديين إلى الموت دون نية إحداثه، وبمتابعتهما في حالة سراح من أجل التسبب في حادثة سير، نتج عنها قتل عمدي نتيجة عدم الاحتياط وإهانة الضابطة القضائية وتغيير معالم الجريمة بالنسبة للمتهم الأول، وتغيير معالم الجريمة بالنسبة للمتهم الثاني، وإحالتهما على المحكمة الابتدائية ب***، دون أن يأخذ بعين الاعتبار اعترافات المتهمين التمهيدية، ومحضر إعادة تمثيل الجريمة، والمعاينات المجراة على سيارة المتهم وملابسه ومكان الحادثة، وأن ما يزكي ذلك هو أن محكمة النقض نقضت قرار الغرفة الجنحية بموجب قرارها الصادر بتاريخ 28/04/2021.
واستمعت هيئة التفتيش للسيد (س) عضو الغرفة الجنحية الذي أكد أن منح السراح المؤقت استند إلى تنازل ذوي الحقوق ولعدم توفر عنصر العمد، ولتوفر المتهمين على ضمانات الحضور، مؤكدا أن محضر معاينة الشرطة لتواجد بقع دم الضحية بقميص المتهم لم يعرض عليه، ولم تناقشه الهيئة لا هو ولا تصريحات المتهمين أمام الشرطة التي يعترفان فيها بالاعتداء على الضحية، كما لم يعرض عليه تقرير التشريح الطبي والمعاينة المنجزة على السيارة ومحضر إعادة تمثيل الجريمة، وأنه لو عرضت عليه هذه الوقائع لكان له توجه مخالف، مؤكدا أنه لا يستطيع الجزم بما إذا كانت هذه الوثائق بالملف أم لا، وأن الغرفة الجنحية تطالب بالوثائق الناقصة، كما يمكن لها أن تطلب ضم الملف الأصلي، ولا تبت إلا إذا كان الملف يتضمن جميع الوثائق، مؤكدا أن مجرد تراجع المتهم عن تصريحاته التمهيدية يعتبر غير كاف.
لتخلص المفتشية العامة بعد ختم بحثها الى اقتراح إحالة السيد (س)، المستشار بمحكمة الاستئناف ب*** على المجلس الأعلى للسلطة القضائية للنظر فيما هو منسوب إليه من الإخلال بالواجب المهني.
وبعد عرض تقرير المفتشية العامة على لجنة التأديب، اقترحت تعيين مقرر في حق القاضي المعني، ليقرر السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، تعيين السيد *** الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف ب***، مقررا في قضية القاضي المعني للبحث فيما نسب إليه من إخلال مهني.
اطلع السيد المقرر على الأحكام والقرارات الصادرة في الموضوع، واستمع للمستشار السيد (س) الذي أكد تصريحاته المدلى بها أمام المفتشية العامة للشؤون القضائية جملة وتفصيلا، مضيفا أن السراح المؤقت للمتهم كان بناء على تنازل ذوي الحقوق وانعدام عنصر العمد، ولكون الغرفة انتهت إلى أن الواقعة عبارة عن حادثة سير، مؤكدا أنه لم تعرض عليه التصريحات التمهيدية للمتهمين بعد تعميق البحث، ومحاضر المعاينات المنجزة من قبل الضابطة القضائية لبقع الدم على ملابس المتهم، ومحضر معاينة عدم وجود آثار الاصطدام على سيارة المتهم، ومحضر إعادة تمثيل الجريمة والصور المرفقة به، وتقرير التشريح الطبي، مؤكدا أنه لو عرضت عليه هذه الوقائع لكان له توجه مخالف في الملف، وفي الأخير أكد أنه ملتزم خلال مساره المهني بمبدأ الاجتهاد.
ليقترح السيد المقرر إحالة السيد (س)، على المجلس الاعلى للسلطة القضائية للنظر فيما نسب إليه من إخلال بالواجب المهني.
وبعد عرض تقرير المقرر على لجنة التأديب اقترحت اللجنة إحالة القاضي المعني على المحاكمة التأديبية، ليقرر الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، إحالته على المجلس بعدما تبين جدية ما نسب إليه من الإخلال المهني، مع استدعائه للمثول أمام أنظار المجلس خلال اجتماعه الذي سينعقد بتاريخ 11 يونيو 2024.
2- مرحلة المحاكمة التأديبية:
أدرج ملف السيد (س) خلال اجتماع المجلس المنعقد بتاريخ 11/06/2024 حيث حضر المعني بالأمر، وحضر السيد المقرر الذي قدم ملخصا لتقريره أمام أنظار المجلس، واستمع للقاضي المتابع الذي أكد سابق تصريحاته أمام المفتشية العامة للشؤون القضائية وأمام المقرر، فاعتبر المجلس أن القضية جاهزة وقرر إدراجها في المداولة.
وبعد المداولة طبقا للقانون
حيث أحيــل السيد (س) المستشار بمحكمة الاستئناف ب*** علـى أنظـار المجلس الأعلى للسلطة القضائية من أجل الإخلال بالواجب المهني.
وحيث إن الثابت من وقائع القضية وملابساتها أن السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف ب*** تقدم بمطالبة بإجراء تحقيق في حق المتهمين *** و*** من أجل الضرب والجرح العمديين بواسطة السلاح المؤديين إلى الموت دون نية إحداثه وجنحتي إهانة الضابطة القضائية وتغيير معالم الجريمة، وأن قاضي التحقيق باشر إجراءات التحقيق الإعدادي في الملف، ثم أصدر أمرين بتمتيع المتهمين بالسراح المؤقت، أيدتهما الغرفة الجنحية بهيئة كان المستشار (س) عضوا فيها، لينتهي قاضي التحقيق إلى إصدار قراره النهائي بتاريخ 30/04/2020 بعدم متابعة المتهمين معا من أجل جناية الضرب والجرح العمديين بواسطة السلاح المؤدي إلى الموت دون نية احداثه طبقا للمادة 216 من قانون المسطرة الجنائية لعدم كفاية الأدلة، وبمتابعتهما من أجل التسبب في حادثة سير نتج عنها قتل عمدي بسبب عدم الاحتياط، وإهانة الضابطة القضائية، وتغيير معالم الجريمة بالنسبة للأول، وتغيير معالم الجريمة بالنسبة للثاني طبقا للفصول 264 و434 من القانون الجنائي، والمادة 58/3 من قانون المسطرة الجنائية، والمادتين 172 و186 من مدونة السير، وبإحالتهما في حالة سراح على المحكمة الابتدائية ب*** للاختصاص لمحاكمتهما طبقا للقانون، وهو القرار الذي أيدته أيضا الغرفة الجنحية بموجب قرارها الصادر بتاريخ 17/06/2020 بهيئة كان المستشار (س) عضوا فيها أيضا؛ وقرار الغرفة الجنحية هذا نقضته محكمة النقض بموجب قرارها الصادر بتاريخ 28/04/2021 بعلة "أن المحكمة إنما استندت بشكل مجمل على إنكار المطلوبين للأفعال المنسوبة إليهما أثناء مرحلة التحقيق الإعدادي ولتنازل ذوي حقوق الهالك عن المتابعة، ورتبت على ذلك عدم توفر وسائل إثبات كافية لمتابعتهم بجناية الضرب والجرح العمديين بواسطة السلاح المؤديين إلى الموت دون نية إحداثه، دون أن تناقش وتحدد موقفها من تصريحات المطلوبين التمهيدية ومن محضر إعادة تمثيل الجريمة، مما جعل قرارها المطعون فيه لم يحط بكل الأدلة المعروضة عليها وتأثيرها على مسار البحث في هذه القضية".
حيث عللت الغرفة الجنحية قرارها بتمتيع المتهمين بالسراح المؤقت بكون الاعتقال الاحتياطي هو تدبير استثنائي وأن قاضي التحقيق استبدله بالمراقبة القضائية، ولتوفر المتهمين على ضمانات الحضور، ولكون المتهمين تراجعا عن تصريحاتهما التمهيدية بمرحلة التحقيق، ولتنازل ذوي حقوق الضحية.
وحيث إن تمتيع المتهم بالسراح المؤقت - متى تم في الإطار القانوني المنظم له - هو من صميم اختصاص القاضي، يمارسه بكل حرية ولا رقابة عليه في ذلك إلا لمحكمة الطعن، ولا يمكن للمجلس التأديبي أن يمارس رقابته على القاضي بهذا الخصوص إلا إذا كان ناتجا عن مؤثرات خارجية حادت به عن التطبيق السليم للقانون، أو متى ثبت في حقه وهو يصدر هذا الأمر ارتكاب خطأ من الأخطاء الموجبة للمساءلة التأديبية بموجب نص القانون.
وحيث إنه وفي غياب ما يفيد أن تأييد الغرفة الجنحية لأمري قاضي التحقيق القاضيين بتمتيع المتهمين بالسراح المؤقت كان نتيجة عوامل خارجية، أثرت على قناعة أعضائها وعلى تطبيقهم العادل للقانون، وفي غياب ما يفيد ارتكابهم لأي خطأ عند إصدارهم لهذا القرار، فإنه يكون من غير المناسب مسائلة القاضي المتابع تأديبيا عن هذا القرار.
حيث إنه لما كانت أحكام القضاء لا تصدر إلا على أساس التطبيق العادل للقانون، ولما كان القاضي يتولى حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي وتطبيق القانون طبقا للفصلين 111 و117 من دستور المملكة، فإن القاضي يكون ملزما في جميع الأحوال بمباشرة الواجبات المهنية الملقاة على عاتقه بموجب نصوص القانون بكل إخلاص وتفان ومسؤولية ووفقا للشكل الذي يقرره هذا القانون، وهو ما تجسده صيغة اليمين التي يؤديها القاضي عند تعيينه لأول مرة في سلك القضاء طبقا للمادة 40 من النظام الأساسي للقضاة؛ حيت يلتزم بموجبها بممارسة مهامه بحياد وتجرد وإخلاص وتفان، وبالمحافظة على صفات الوقار والكرامة وعلى سر المداولات بما يصون هيبة القضاء واستقلاله، وأن يلتزم بالتطبيق العادل للقانون، وأن يسلك في ذلك مسلك القاضي النزيه.
وحيث إن كل إخلال من القاضي بالواجبات المهنية - التي تتمثل في جميع الالتزامات التي يضعها القانون على عاتقه - يشكل خطأ يمكن أن يكون محلا للمساءلة التأديبية، طبقا للمادة 96 من النظام الأساسي للقضاة.
وحيث إن قاضي التحقيق يقوم طبقا للمادة 85 من قانون المسطرة الجنائية بجميع الإجراءات التي يراها صالحة للكشف عن الحقيقة، ويصدر طبقا للمادة 216 من نفس القانون أمرا بعدم المتابعة إذا تبين له أن الأفعال لا تخضع للقانون الجنائي أو لم تعد خاضعة له، أو أنه ليست هناك أدلة كافية ضد المتهم أو أن الفاعل ظل مجهولا، كما يتعين عليه طبقا للمادة 221 أن يبين في الأوامر القضائية بشأن انتهاء التحقيق الصادرة عنه الوصف القانوني للفعل المنسوب للمتهم، كما يبين بدقة الأسباب التي من شأنها أن تدعم وجود أدلة كافية أو عدم وجودها، وهو ما يفيد أن دور قاضي التحقيق – ومعه الغرفة الجنحية بصفتها مرجعا استئنافيا بخصوص الأوامر الصادرة عن هذا الأخير، طبقا للمادة 231 من قانون المسطرة الجنائية - ينحصر في جمع أدلة الإثبات وتقييم مدى كفايتها لتبرير الأمر بالمتابعة قصد إحالة القضية على هيئة الحكم المختصة من عدمه، هذه الأخيرة التي لها صلاحية تقييم وسائل الإثبات وتقدير مدى كفايتها في إثبات الفعل من عدمه، والحكم فيها بناء على اقتناعها الصميم.
وحيث عللت الغرفة الجنحية بعضوية القاضي المتابع السيد (س) أمر قاضي التحقيق القاضي بعدم متابعة المتهمين *** و*** من أجل جناية الضرب والجرح العمديين بواسطة السلاح المؤديين إلى الموت دون نية إحداثه وتكييف الواقعة على أنها حادثة سير نتج عنها وفاة على تصريحهما بمرحلة التحقيق من كون الأمر يتعلق بحادثة سير، وعلى كون الشاهد المستمع إليه بمرحلة التحقيق لم يعاين واقعة الاعتداء، ولعدم قيام عناصر الجناية موضوع المتابعة، ولعدم وجود قرائن قوية على نسبتها للمتهمين، علاوة على تنازل ذوي حقوق الضحية عن شكايتهما، في حين أن البحث الذي أجرته المفتشية العامة للشؤون القضائية والسيد المقرر أفرز أن الغرفة الجنحية لم تحرص على مناقشة تصريحات المتهمين التمهيدية التي يعترفان فيها بالاعتداء على الضحية، حيث صرح المتهم الأول أنه وعلى إثر خلاف مع الضحية ترجل من سيارته ووجه لكمات عنيفة للضحية أسقطته أرضا على الرصيف، مما تسبب له في جرح غائر ودام على مستوى مؤخرة رأسه، وهي التصريحات التي أكدها المتهم الثاني مضيفا أنه ساهم في الاعتداء على الهالك، كما لم تناقش معاينة الشرطة القضائية لقميص المتهم الذي يحمل بقعا لدم الضحية، ومعاينة عناصر الشرطة للضحية وهو يحمل جرحا غائرا على مستوى مؤخرة رأسه، وتقرير التشريح الطبي، ومحضر المعاينة المنجز على سيارة المتهم الأول الذي يفيد غياب أي آثار للحادثة عليها، وكذا محضر إعادة تمثيل الجريمة.
وحيث إن القاضي المتابع، عند مواجهته بهذه المعطيات أمام المفتشية العامة للشؤون القضائية وأمام السيد المقرر، أكد أن محضر معاينة الشرطة لتواجد بقع دم الضحية بقميص المتهم لم يعرض عليه ولم تناقشه الهيئة، لا هو ولا تصريحات المتهمين أمام الشرطة المتضمنة لاعترافهما بالاعتداء على الضحية وتقرير التشريح الطبي والمعاينة المنجزة على السيارة ومحضر إعادة تمثيل الجريمة، وأنه لو عرضت عليه هذه الوقائع لكان له توجه مخالف، مؤكدا أنه لا يستطيع الجزم بما اذا كانت هذه الوثائق بالملف أم لا، وأن الغرفة الجنحية تطالب بالوثائق الناقصة، كما يمكن لها أن تطلب ضم الملف الأصلي، ولا تبت إلا اذا كان الملف يتضمن جميع الوثائق.
وحيث إن الثابت مما سبق بيانه أعلاه أن طريقة معالجة الغرفة الجنحية للقضية موضوع الشكاية بعضوية القاضي المتابع قد شابتها مجموعة من الاختلالات التي مست صميم التزاماتهم المهنية، باعتبار أن الثابت من هذه الوقائع أن قضاة الغرفة الجنحية لم يولوا القضية المذكورة العناية اللازمة، خلافا لما يفرضه عليهم التزامهم الدستوري والقانوني بالتطبيق العادل للقانون، وبحماية حريات الأفراد وأمنهم القضائي، مخالفين بذلك مبدأ الكفاءة والاجتهاد الذي يعتبر تجسيدا لالتزام القاضي بالتطبيق العادل للقانون، والذي يفرض عليهم حسب المادة 15 من مدونة الأخلاقيات القضائية مواكبة المستجدات القانونية والاجتهاد القضائي والمواضيع العامة والممارسات الفضلى ذات الصلة بالعمل القضائي، والحرص على ضمان جودة الأحكام والقرارات القضائية، وإعطاء القضايا التي ينظرون فيها كامل العناية من خلال الدراسة القبلية لها وإعطائها الوقت الكافي من البحث والتمحيص وبمنتهى العناية، والبت فيها داخل آجال معقولة، وكل ذلك قصد تحقيق الهدف الأسمى وهو ضمان ثقة المتقاضين في العدالة.
وحيث إن هذه الاختلالات تمثلت في خلو تعليلات قرار الغرفة الجنحية القاضي بتأييد قرار قاضي التحقيق مما يفيد إحاطة اعضائها بجميع المعطيات الواردة بالملف، ومما يفيد مناقشتهم لجميع العناصر والوقائع التي يمكن أن تشكل وسائل إثبات للجريمة موضوع المطالبة بإجراء التحقيق، بالإضافة إلى تناقضهم حينما أكدوا أن العمل القضائي جرى على أن مجرد تراجع المتهم عن تصريحاته التمهيدية لا يؤدي إلى استبعادها، إلا إذا وجدت وقائع تؤكد هذا التراجع، والحال أنهم أخذوا بتراجع المتهم عن اعترافاته التمهيدية باعتدائه على الضحية رغم أن ملف النازلة يتضمن مجوعة من الأدلة والقرائن التي تؤكد هذا الاعتراف وتعززه مقابل غياب العناصر أو الوقائع التي تؤكد خلافه، بالإضافة إلى عدم مناقشة محضر معاينة جثة الهالك وكونه يحمل جرحا غائرا على مستوى مؤخرة رأسه، ومحضر معاينة قميص المتهم الأول الذي حجز من داخل غرفة نومه وهو يحمل آثارا لبقع دم الضحية، وعدم مناقشة ما ورد في محضر إعادة تمثيل الجريمة والصور الملتقطة خلال هذه العملية. هذا فضلا عن التناقض الذي حصل فيه السيد قاضي التحقيق - وسايرته فيه الغرفة الجنحية - بمتابعة المتهم الأول من أجل جنحة إهانة الضابطة القضائية بالبلاغ الكاذب لكون ذلك يتناقض تماما مع النتيجة التي توصلوا إليها من كون الواقعة المنسوبة للمتهم تشكل حادثة سير، باعتبار أن النيابة العامة، حينما طالبت بإجراء تحقيق ضد المتهم الأول من أجل هذا الفعل، انما اعتمدت على تصريحاته أمام شرطة السير حينما حاول – بحسبها - إيهام عناصر الشرطة أن الأمر يتعلق بحادثة سير واعتبرتها - بعد أن تراجع عنها بعد تعميق الأبحاث معه – تشكل العناصر المكونة لجنحة البلاغ الكاذب.
وحيث إن ما يعزز هذه الاختلالات ويؤكدها هو تناقض أعضاء الغرفة الجنحية في تصريحاتهم بخصوص ظروف صدور القرار موضوع الشكاية؛ إذ في الوقت الذي أكد فيه المستشار السيد (س) أن محضر معاينة الشرطة لتواجد بقع دم الضحية بقميص المتهم لم يعرض عليه ولم تناقشه الهيئة لا هو ولا تصريحات المتهمين أمام الشرطة وتقرير التشريح الطبي والمعاينة المنجزة على السيارة ومحضر إعادة تمثيل الجريمة، وأنه لو عرضت عليه هذه الوقائع لكان له توجه مخالف، مؤكدا أنه لا يستطيع الجزم بما إذا كانت هذه الوثائق بالملف أم لا، وأن الغرفة الجنحية تطالب بالوثائق الناقصة كما يمكن لها أن تطلب ضم الملف الأصلي، ولا تبت إلا إذا كان الملف يتضمن جميع الوثائق، وفي الوقت الذي أكد فيه المستشار (س2)، العضو الثالث في الهيئة التي أصدرت القرار المذكور، أن محضر إعادة تمثيل الجريمة لم يكن ضمن وثائق الملف اثناء المداولة، وأنه لو اطلع على هذا المحضر لكان له توجه مخالف، مشيرا أنه قد يكون هناك تسرع في البت في الملف، نجد أن رئيس الهيئة السيد (س1) أكد أن جميع وثائق الملف عرضت على عضوي الهيئة أثناء المداولة باستثناء محضر إعادة تمثيل الجريمة الذي لم يكن ضمن وثائق الملف، وأن العمل جرى على عرض جميع الوثائق على أعضاء الهيئة أثناء المداولة في كل ملف.
وحيث إن تصريحات القاضي المتابع، بكون بعض وثائق الملف ومعطياته لم تعرض عليه ولم يطلع عليها، لا يمكن أن تعفيه من تحمل المسؤولية، باعتبار أن الواجب المهني يفرض عليه الاطلاع على جميع وثائق الملف الذي يبت فيه من أجل دراستها بشكل مستفيض بغية ترتيب الآثار القانونية عليها قبل اتخاذ القرار النهائي في الملف، امتثالا للواجب المقدس المفروض عليه بموجب نص الدستور والقانون والمتمثل في التزامه بالتطبيق العادل للقانون، بل إن تصريحاته تلك تؤكد وتعزز ما هو منسوب إليه من عدم إعطاء الملف العناية التي يستحقها، لكونه من غير المقبول أن يقضي القاضي في ملف معين دون أن يطلع على كافة وثائقه وأن يحيط بمختلف وقائعه ومعطياته، مما يكون معه الفعل التأديبي المنسوبة للقاضي المذكور والمتمثل في الإخلال بالواجب المهني ثابت في حقه ويتعين مؤاخذته من أجله.
واعتبارا لمبدأ التناسب بين الفعل التأديبي الثابت في حق القاضي المتابع، وفق ما هو مفصل أعلاه والعقوبات الوارد النص عليه في المادة 99 من النظام الأساسي للقضاة، وبالنظر لخطورة هذا الفعل ولخطورة الآثار الناتجة عنه لمسها بالأمن القضائي وبثقة المتقاضين في رسالة القضاء؛
لأجله
قرر المجلس اتخاذ عقوبة الإقصاء المؤقت عن العمل لمدة (03) ثلاثة أشهر، مع الحرمان من أي أجر باستثناء التعويضات العائلية، في حق السيد (س)، المستشار بمحكمة الاستئناف ب***، من أجل ما نسب إليه من إخلال بالواجب المهني، مع نقله إلى محكمة الاستئناف ب*** بصفته مستشارا بها.
توقيع عضو المجلس المكلف بصياغة القرار | الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية |
عبد اللطيف طهار | مَحمد عبد النباوي |