موجب الإحالة: الإخلال بواجب التحفظ والأخلاقيات القضائية 27-04-2021

واجب التحفظ حق القضاة في حرية التعبير الأخلاقيات القضائية تصريح يكتسي صبغة سياسية
الإنذار

 


قضية السيد (س)

القاضي بالمحكمة التجارية *****

بتاريخ 27 أبريل 2021،

إن المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وهو يبت في القضايا التأديبية برئاسة السيد: مَحمد عبد النباوي  الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية و بعضوية السادة: مولاي الحسن الداكي - آمنة بوعياش - محمد بنعليلو - محمد زوك– محمد خالد العرائشي - أحمد الغزلي - محمد أمين بنعبد الله  – محمد الناصر - ماجدة الداودي - الحسن أطلس - ياسين مخلي - عائشة الناصري- فيصل شوقي – حجيبة البخاري - محمد جلال  الموسوي - عادل نظام -عبد الكريم الأعزاني ؛

 بحضور السيد مصطفى   الإبزار : الأمين العام للمجلس الأعلى للسلطة القضائية؛

بناء على دستور المملكة ولاسيما الفصل 113 منه؛

وبناء على مقتضيات القانون التنظيمي رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.16.40 بتاريخ  14جمادى الثانية 1437 (24 مارس 2016) ؛

وبناء على مقتضيات القانون التنظيمي رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.16.41 بتاريخ 14 جمادى الثانية 1437 (24 مارس 2016)؛

وبناء على النظام الداخلي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية المنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 09  نونبر 2017 .

الوقائـع

يستفاد من تقرير المفتشية العامة للشؤون القضائية، أن السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية قد أحال عليها كتابا تحت عدد ***** مرفقا بتعليق منسوب للسيد (س) نشره على الموقع الاجتماعي "فيسبوك" يتعلق بوفاة السيد محمد مرسي، الرئيس السابق لجمهورية مصر العربية، جاء فيه"أن موت مرسي إعدام دون عشماوي والسيسي مجرد واجهة لنظام متجذر ودم الرجل في رقبة الجماعة قبل العسك"، كان بإمكان المشير عبد الفتاح السيسي إعدام محمد مرسي عقب محاكمة سريعة، فلائحة التهم جاهزة والآلة القضائية يمكن أن تسرع كما تبطئ، لكن ما منع الرجل من التنفيذ معطيان أولهما تجربة جمال عبد الناصر مع سيد قطب وما قادت إليه من رفع الأخير إلى مصاف الشهداء والقديسين، وثانيهما المناخ الحقوقي العالمي الذي لن يهضم إعدام رئيس منتخب، بالمقابل بات التخلص من مرسي أمرا ملحا لإغلاق ملف ثورة يناير 2011، يتوفر السيسي على الملف الطبي للرئيس مرسي الذي يعاني من مضاعفات السكري والقصور الكلوي وأمراض القلب، ومريض من هذه العينة لن يتحمل كثيرا في سجنه الانفرادي حتى في ظروف الاعتقال العادية فبالأحرى حين يكون معتقل من نوع خاص كمحمد مرسي، لذلك كان الرهان على إطالة أمد المحاكمات التي تم فصلها عن بعضها وما تنتهي محاكمة حتى تبدأ أخرى، بالموازاة مع ذلك كان ينبغي منع الغذاء والتطبيب عن المعتقل كما تحدثت عن ذلك أسرته والتقارير الحقوقية الدولية حتى لا يطول عمره الافتراضي، ولذلك لم يكن غريبا أن تخرج كل من منظمتي هيومن رايتش ووتش وأمنستي أنترناسيونال عقب وفاة محمد مرسي ببيانين مستقلين تعتبران فيهما ظروف الاعتقال بمثابة تعذيب قاد للوفاة، ولاشك في أن موت مرسي هو إعدام دون عشماوي(عشماوي هو جلاد الإعدام في مصر) وبموته يكون السيسي قد نجح في طي آخر صفحة من 25 يناير 2011؛

منذ 30 يونيو 2013، تطالعنا منشورات في مواقع التواصل الاجتماعي تصور الرئيس السيسي بالغدر وبأنه عض اليد التي مدت إليه، لكن السيسي ليس إلا واجهة لنظام متجدر ولو لم يكن هو من انقلب على مرسي لفعل غيره.

حين اندلعت ثورة 25 يناير 2011 كان السيسي يشغل مديرا..."

وفي إطار البحث تم الاستماع للسيد (س) من قبل المفتشية العامة للشؤون القضائية صرح بأنه هو من نشر التدوينة موضوع البحث بمواقع التواصل بتاريخ 18 يونيو 2019 وحذفها في اليوم الموالي ولم يبق لها أثر على الشبكة العنكبوتية، بعد أن نصحه أحد الأصدقاء لا ينتمي إلى السلك القضائي بحذفها التدوينة لكونه قد يثير حفيظة بعض المتعاطفين مع جهة معينة، وأن المفروض فيه أنه قاض للجميع، وأضاف توفر ه على 1500 صديق بالفيسبوك وصفحته لا يشير فيها إلى صفته القضائية وأنه يمثل نفسه في الآراء المعبر عنها، وأضاف بأن ما سطره بالتعليق نقله في إطار الرغبة في تقديم نظرة موضوعية حول وفاة الرئيس السابق لدولة مصر، وأن الفقرة الأولى من التدوينة مأخوذة من تقريري منظمتي هيومن رايتس وأمنيستي أنتيرناسيونال والفقرة الثانية مأخوذة من الصحافي أحمد منصور والفقرة الثالثة مأخوذة من الباحث الاستراتيجي الفلسطيني عزمي بشارة والدكتور محمد مالكي، وأن إضافته الشخصية الوحيدة في الخاتمة وهي قوله: "أن مصر أغلقت صفحة في تاريخها الحديث"، وأنه بذلك لم يتبن أي موقف بالانحياز لطرف أو آخر، وأن فهمه المتواضع الذي يمكن أن يكون مخطئا فيه أنه يعتقد أنه يحظر على القاضي التعبير سياسيا فيما يتعلق بالسياسة الداخلية للدولة باعتباره حكما بين جميع الفرقاء، ولا يمتد المنع إلى التعليق على أحداث تدور خارج المغرب، وفي الأخير أفاد بأن ما عبر عنه في اعتقاده الشخصي لا يخرج عن واجب التحفظ ويعبر عن موقف حقوقي شخصي، وإن كان الأمر خلاف ما يعتقده وخلاف فهمه لواجب التحفظ فإنه يعتذر ويلتزم بعدم تكرار مثلها أو الخوض في مثل هذه المواضيع مستقبلا؛

وبناء على مقرر المجلس الأعلى للسلطة القضائية بتاريخ 23 يوليوز 2019 بتعيين السيد ***** الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف ب***** مقررا في القضية؛

وبناء على تقرير السيد المقرر الذي أودعه بأمانة المجلس بتاريخ 21/10/2020 والذي ضمنه مجموعة من الإجراءات التي قام بها، ومنها الاستماع للقاضي المعني بالأمر، الذي أكد تصريحاته المدلى بها أمام المفتشية العامة؛

وبناء على المقرر الذي اتخذه المجلس خلال اجتماعه المنعقد بتاريخ 04 نونبر 2020 بإحالة القاضي المعني بالأمر على أنظاره طبقا لمقتضيات المادة 90 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، والذي توصل به بتاريخ 10 نونبر 2020؛

وبناء على الاستدعاء الموجه للسيد (س) للمثول أمام أنظار المجلس لجلسة 27 أبريل 2021 والذي توصل به بتاريخ 13 أبريل 2021؛

وبناء على جميع وثائق الملف التأديبي الموضوعة رهن إشارة السيد (س)؛

وبجلسة 27 أبريل 2021 حضر السيد (س)، أكد أنه اطلع على ملفه التأديبي وأنه مستعد لمناقشته، وحضر المقرر وقدم تقريره، وتم الاستماع للقاضي المتابع الذي تقدم بداية بدفع يروم سقوط المتابعة التأديبية لعدم بت المجلس داخل أجل أربعة أشهر من تاريخ الإحالة وعدم وجود قرار معلل للمجلس بتمديد الأجل عملا بمقتضيات المادة 97 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية وأكد جميع تصريحاته المدلى بها أمام المفتشية العامة للشؤون القضائية وأمام السيد المقرر.

وبعد المداولة طبقا للقانون

حيث أحيل السيد (س) القاضي بالمحكمة التجارية ***** على أنظار المجلس الأعلى للسلطة القضائية من أجل ما نسب إليه من إخلال بواجب التحفظ والأخلاقيات القضائية.

أولا: من حيث الدفع المثار بسقوط المتابعة التأديبية لعدم احترام آجال البت المنصوص عليها في المادة 97 من القانون التنظيمي رقم 100.13.

حيث إنه فيما يخص الدفع المثار بشأن سقوط المتابعة التأديبية لعدم بت المجلس داخل أجل أربعة أشهر من تاريخ الإحالة المصادف ل 10 نونبر 2020 وعدم وجود قرار معلل للمجلس بتمديد هذا الأجل، فإنه بالرجوع إلى المادة 97 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى المستند إليها في إثارة هذا الدفع، فإنها ولئن كانت قد حددت أجل البت في المتابعة التأديبية داخل أربعة أشهر من تاريخ الإحالة لم ترتب أي جزاء أو أثر على عدم التقيد بالبت داخل هذا الأجل، ذلك أن الثابت قانونا أنه لا جزاء إلا بنص؛

وحيث إن ما يؤكد ذلك هو النصوص المؤطرة للمادة التأديبية والتي تفيد أنه بعدما حدد المشرع في المادة 97 المذكورة أجل المتابعات التأديبية بشكل عام، خص في المادة الموالية وهي 98 من ذات القانون حالة المتابعة التأديبية الجارية في حق القاضي الموقوف ورتب جزاء عن عدم بت المجلس داخل أجل أربعة أشهر من تاريخ الإحالة تمثل في إرجاع القاضي لعمله وتسوية وضعيته المالية والإدارية دون تقرير جزاءات أخرى على غرار بطلان أو سقوط المتابعة التأديبية؛

وحيث إنه فضلا عن ذلك، فإن بت المجلس داخل الأجل المذكور يتوقف على قيام المجلس واكتمال تشكيلته وأداء أعضائه الجدد للقسم واكتمال النصاب القانوني لاجتماعه؛

وحيث إن خمسة من أعضاء المجلس انتهت عضويتهم بتاريخ 31 دجنبر 2020، وأن الأعضاء الجدد الذين حلوا محلهم أدوا القسم بتاريخ 22 مارس 2021. مما يتضح معه أن تكوين المجلس لم يكتمل إلا بهذا التاريخ، وأن اجتماعه كان متعذرا قبل ذلك مما حال دون البت في القضية أو تمديد الأجل بشأنها؛

وحيث إن تحديد تاريخ افتتاح دورة المجلس بقرار للسيد الرئيس المنتدب، طبقا لأحكام المادة 57 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس، لا علاقة له بتوفر التركيبة الدستورية للمجلس، والإجراءات القانونية المصاحبة لها والتي تؤثر على صحة اجتماعات المجلس؛

وحيث إنه اعتبارا لما تم بسطه أعلاه، يبقى الدفع المثار غير مؤسس من الناحية القانونية ويتعين تبعا لذلك رده.

ثانيا:من حيث الموضوع

حيث أفاد القاضي (س) بأنه فعلا هو من قام بنشر التدوينة موضوع المتابعة بموقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك، وحذفها في اليوم الموالي، وأنه نشرها دون الإشارة إلى صفته القضائية، وفي اعتقاده أنه لم يخرج عن واجب التحفظ لأنه يمتنع على القاضي التعبير في المسائل السياسية المتعلقة بالشؤون الداخلية للدولة، في حين أن تدوينته همت حدثا ذي أبعاد دولية، وأن المنع برأيه لا يمتد إلى الوقائع والأحداث الدائرة خارج أرض الوطن؛

وحيث يمكن إثبات المخالفات التأديبية المنسوبة للقضاة بمختلف وسائل الإثبات؛

وحيث إنه لئن كانت حرية التعبير مكفولة للقضاة، ومن حقهم وبكل حرية التعبير عن آرائهم وأفكارهم كباقي أفراد المجتمع طبقا لأحكام الفقرة الأولى من الفصل 111 من الدستور، إلا أن هذا الحق مقيد بمقتضيات المادة 37 من القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة التي تنص على: "أنه تطبيقا لأحكام الفقرة الأولى من الفصل 111 من الدستور للقضاة الحق في التعبير بما يتلاءم مع واجب التحفظ والأخلاقيات القضائية، بما في ذلك الحفاظ على سمعة القضاء وهيبته واستقلاليته"؛

 

وحيث إن صيغة المادة المذكورة جاءت عامة تستوعب جميع الآراء المعبر عنها ولا تستثني ما يتعلق بالأحداث الدولية؛

وحيث إن الالتزام الملقى على عاتق القاضي بمقتضى واجب التحفظ والأخلاقيات القضائية يوجب عليه عدم الإدلاء بأي تصريح يكتسي صبغة سياسية وفي هذا الإطار كان المجلس الدستوري قد نص في قراراه رقم 16/992 وتاريخ 16 مارس 2016 "وحيث إن إدلاء القاضي بتصريح يكتسي صبغة سياسية، إن كان قد يستوجب اتخاذ إجراءات تأديبية في حقه، إذا كان هذا التصريح، في مضمونه ومداه، لا يتلاءم مع واجب التحفظ والأخلاقيات القضائية الذي فرضه الدستور على القاضي بموجب الفقرة الأولى من فصله 111..."

وحيث إن ما تضمنته التدوينة موضوع المتابعة يعد إبداء لآراء سياسية تتعلق بدولة أجنبية ويشكل خرقا لواجب التحفظ والأخلاقيات القضائية وفق مقتضيات المادة 37 من القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة؛

وحيث إنه اعتبارا لمبدأ التناسب بين الأفعال المرتكبة والعقوبة التأديبية المنصوص عليه في المادة 99 من القانون التنظيمي رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، ومراعاة للملاحظات الإيجابية المسجلة حول المسار المهني للقاضي واعتذاره والتزامه بعدم تكرار مثل ما قام به؛

لأجـلـه:

قرر المجلس اتخاذ عقوبة الإنذار في حق السيد (س) القاضي بالمحكمة التجارية *****.