موجب الإحالة: -الإخلال المهني -الإخلال بمبدأ الكفاءة والاجتهاد -عدم التطبيق السليم للقانون 20-02-2024 الطباعة
يعد نزول غرفة الجنايات الابتدائية عن الحد الأدنى للعقوبة المقرر قانونا، دون التقيد بالضوابط المرجعية الناظمة لإعمال ظروف التخفيف، خرقا فادحا وغير مستساغ لقاعدة قانونية للموضوع، وحيادا عن التطبيق السليم للقانون، وتقصيرا من القاضي في إيلاء العناية الواجبة عند دراسته لمعطيات القضية لكون وظيفته تستلزم الحذر والدقة والضبط.
قضية السيد: (س)
المستشار بمحكمة الاستئناف ب***
مقرر عدد:
أصل المقرّر المحفوظ بالأمانة العامة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية
بتاريخ 10 شعبان 1445ه الموافق ل 20 فبراير 2024
إن المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وهو يبت في القضايا التأديبية برئاسة السيد: مَحمد عبد النباوي بصفته رئيسا منتدبا للمجلس و بعضوية السادة: مولاي الحسن الداكي – محمد بنعليلو – أحمد الغزلي– محمد زوك – محمد الناصر – خالد العرايشي – عبد الله معوني – سعاد كوكاس – الزبير بوطالع – عبد اللطيف طهار – عبد اللطيف الشنتوف – يونس الزهري – عثمان الوكيلي– المصطفى رزقي – أمينة المالكي – نزهة مسافر.
بحضور السيد منير المنتصر بالله: الأمين العام للمجلس الأعلى للسلطة القضائية؛
بناء على دستور المملكة ولاسيما الفصل 113 منه؛
وبناء على مقتضيات القانون التنظيمي رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.16.40 بتاريخ 14 جمادى الثانية 1437(24 مارس 2016) كما تم تعديله وتغييره؛
وبناء على مقتضيات القانون التنظيمي رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.16.41 بتاريخ 14 جمادى الثانية 1437 (24 مارس 2016) كما تم تعديله وتغييره؛
وبناء على النظام الداخلي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية المنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 09 نونبر 2017؛
ملخص الوقائـع
بناء على شكايات لجمعيات حقوقية تقدمت بها إلى السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية وكتاب السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف ب*** تحت عدد *** بتاريخ *** وكذا ما تداولته وسائل التواصل الاجتماعي بشكل واسع بشأن قرار صدر عن غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف ب*** بتاريخ 20/03/2023 في الملف الجنائي الابتدائي عدد ***، والقاضي بمؤاخذة ثلاثة متهمين تناوبوا بصفة متكررة على اغتصاب طفلة لم يتجاوز سنها 11 سنة نتج عنه حمل، بسنتين حبسا نافذا في حدود 18 شهرا بالنسبة للمتهمين الأول *** والثاني ***، وسنتين حبسا نافذا في حق المتهم الثالث *** والذي قررت غرفة الجنايات الاستئنافية تعديله برفع العقوبة إلى عشر سنوات سجنا في حق المتهمين الأول والثاني، وإلى عشرين سنة سجنا نافذا في حق المتهم الثالث، مع رفع مبلغ التعويض المحكوم به إلى مبلغ 40000 درهم، يؤديها كل واحد من المتهمين *** و*** وإلى مبلغ 60000 درهم يؤديها المتهم *** لفائدة المطالب بالحق المدني، مؤسسة قرارها بعدم تمتيع المتهمين بظروف التخفيف نظرا لخطورة الأفعال المرتكبة والتي خرجت عن المألوف والمتمثلة في الاعتداء على طفلة لم تبلغ سن التمييز وإنجابها لمولود.
وتتلخص وقائع القضية موضوع القرارين الجنائيين أعلاه في أن مركز الدرك الملكي ب*** أنجز بحثا تمهيديا حول اعتداءات جنسية متكررة تعرضت لها الطفلة القاصرة***، من طرف المشتكى بهم *** و*** و***، نتج عنها افتضاض بكارتها، ووضع مولود أثبتت الخبرة الجينية المنجزة نسبته للمتهم ***.
وبعد انتهاء إجراءات البحث التمهيدي وتقديم المتهمين أمام السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف ب***، والذي تقدم بمطالبة بإجراء تحقيق، في مواجهة المتهمين أعلاه، من أجل جناية التغرير بقاصر بالتدليس وهتك عرضها بالعنف للمتهمين الأول والثاني، والتغرير بقاصر بالعنف وهتك العرض بالعنف نتج عنه افتضاض للمتهم الثالث. وهي الأفعال المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفصول 471-485-488 من مجموعة القانون الجنائي.
وبعد استيفاء إجراءات التحقيق، أصدر قاضي التحقيق أمراً بإحالة المتهمين على غرفة الجنايات الابتدائية لمحاكمتهم من أجل الأفعال المشار إليها في حالة اعتقال.
وأن القضية فتح لها الملف عدد *** أمام غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف ب***، التي كانت تتألف من السادة (س)، رئيسا وعضوية المستشارين (س1) و (س2).
وأنه بتاريخ ***، أصدرت غرفة الجنايات أعلاه قرارا قضى بإدانة المتهمين من أجل ما نسب إليهم ومعاقبة *** و*** بسنتين (02) حبسا نافذا في حدود (18) شهرا وموقوفا في الباقي، ومعاقبة *** بسنتين (02) حبسا نافذا بعد أن متعت المتهمين بظروف التخفيف بالنظر للظروف الاجتماعية لكل واحد منهم، ولعدم سوابقهم القضائية، ولكون الجزاء المقرر قانونا قاس بالنسبة لخطورة الأفعال المرتكبة ودرجة إجرامهم.
وعند الاستماع إلى المستشار (س) بصفته رئيس غرفة الجنايات الابتدائية من طرف المفتشية العامة صرح:
أنه حديث عهد بالبت في قضايا الجنايات، إذ أنه كلف لأول مرة بها قبل أسبوعين من صدور القرار الجنائي موضوع البحث، وأن مناقشة الفصل 147 من القانون الجنائي حول الفرق بين النص العربي والنص الفرنسي لم تتم إلا بعد صدور القرار، وأن غرفة الجنايات التي كان يتولى رئاستها استندت إلى الفقرة الثالثة من الفصل 147 من القانون الجنائي المتعلق بالحد الأدنى المحدد في عشر سنوات، والذي يخول النزول بالعقوبة إلى الحبس من سنتين إلى خمس سنوات، علما أن هذه الفقرة لا تنطبق على المتابعة موضوع القرار لأن العقوبة المقررة هي من 20 إلى 30 سنة، وخلو النص العربي من بيان الحالة التي تتراوح فيها العقوبة بين 20 و30 سنة، مؤكدا أنه لم يطلع على النص الفرنسي الذي يخول النزول بالعقوبة من 5 إلى 20 في الحالة الأخيرة، وأن المداولة في الملف تمت بشكل عاد، والقرار اتخذ بإجماع أعضاء الهيئة التي قررت تمتيع المتهمين بظروف التخفيف، مع التأكيد أن القرار صدر في ظروف عادية دون أي تأثير من أي جهة.
وعند الاستماع إلى المستشار (س1) بصفته عضوا بغرفة الجنايات الابتدائية من طرف المفتشية العامة صرح:
أنه عضو بغرفة الجنايات الابتدائية التي منحت المتهم ظروف التخفيف بعد إقرار المتهم بالبنوة والتزامه بالإنفاق، وبخصوص تحديد العقوبة في سنتين، فإن النص العربي للفصل 147 من القانون الجنائي لا يشير إلى الحالة التي تكون فيها العقوبة المقررة هي السجن من 20 إلى 30 سنة، وأن المحكمة اعتمدت الصيغة العربية للفصل 147 خاصة الفقرة الثالثة، والمحكمة لم تطلع على النص باللغة الفرنسية، علما أنه أثناء المداولة لم يتم الرجوع لمقتضيات الفصل 147 أعلاه للتحقق من توفر شروط النزول بالعقوبة إلى الحد الذي ورد بالمنطوق، وأن العقوبة تم تحديدها فقط وفق ما جرى به العمل بالمحكمة، مؤكدا أن المداولة تمت في ظروف عادية دون أي مؤثرات خارجية.
وعند الاستماع إلى المستشار (س2) بصفته عضوا بغرفة الجنايات الابتدائية من طرف المفتشية العامة صرح:
أنه عضو في هيئة غرفة الجنايات الابتدائية التي أصدرت القرار موضوع البحث، وأن الغرفة ناقشت القضية بما فيه الكفاية، وقررت بعد المداولة في ظروف التخفيف تمتيع المتهمين بها وعللت ذلك طبقا للفصلين 146 و147 من القانون الجنائي، ولكون الفصل 147 لا يتضمن الإشارة إلى الحالة التي يكون فيها الحد الأدنى المقرر للعقوبة هو 20 سنة، فإن الهيئة اعتمدت الفقرة الثالثة من الفصل المذكور بالرغم من أنها تتعلق بالحالة التي يكون فيها الحد الأدنى المقرر للعقوبة هو 10 سنوات، مادام أنه لا يمكن تطبيق الفقرة الثانية التي تتعلق بالحالة التي تكون العقوبة المقررة هي السجن المؤبد، موضحا أن الهيئة لم تناقش الصيغة الفرنسية للفصل 147 من القانون أعلاه، اعتبارا لقرار صدر عن محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا)، اعتبر أن النصوص التشريعية الصادرة باللغة العربية هي الواجبة التطبيق (قرار عدد 321 بتاريخ 12 يناير 1984)، وأن تطبيقها للفقرة الثالثة كان من باب تطبيق القانون الأصلح للمتهم، وهو اجتهاد من المحكمة لا غير، مع التأكيد أن المداولة تمت في ظروف عادية، وأن القرار صدر دون أي خلفية، وأنها طبقت القانون في النازلة حسب فهمها وقناعتها.
كما استمعت المفتشية العامة لرئيس وأعضاء غرفة الجنايات الاستئنافية والذين أجمعوا على أنه: أثناء المداولة تقرر عدم تمتيع المتهمين بظروف التخفيف بالنظر لخطورة الأفعال المرتكبة وبشاعتها، وبما أن الحد الأدنى المقرر للعقوبة هي 20 سنة فهي نفس العقوبة التي قررتها الغرفة بعد المداولة دون أي مؤثرات خارجية على اعتبار أن القاضي لا يخضع لأي تأثير، وأن الحملة الإعلامية لم تؤثر في قرار المحكمة، وبخصوص توجه الغرفة في القضايا المماثلة فإن وقائع القضايا تختلف، وبذلك فإن قناعة المحكمة ترتبط بكل قضية، وأن من بين القضايا التي قررت فيها غرفة الجنايات الاستئنافية رفع العقوبة إلى 25 سنة (قضية ***)، وهناك قرار آخر صدر في مواجهة *** قررت فيه غرفة الجنايات تأييد القرار الابتدائي فيما قضى به من معاقبة المتهم بثمان سنوات سجنا نافذا، مؤكدين أن القرار صدر دون أي مؤثر خارجي.
وخلصت المفتشية العامة للشؤون القضائية إلى أن الهيئة المذكورة قضت بالنزول بالعقوبة إلى سنتين، دون أن يكلف أي عضو من أعضائها نفسه عناء مواكبة العمل القضائي بعدما تبين أن الفصل 147 أسقط الفقرة المطبقة في نازلة الحال، ودون أن يجدوا تبريرا لما انتهوا إليه سوى التمسك بما جرى به العمل بالمحكمة، وهم بذلك قد أخلوا بمبدأ الكفاءة والاجتهاد الذي ورد بمدونة الأخلاقيات القضائية، الذي يحث القضاة على مواكبة الاجتهاد القضائي، علما أن الإخلال بالمبادئ والقواعد التي وردت بهذه المدونة يشكل إخلالا مهنيا، عملا بمقتضيات المادة 44 من النظام الأساسي للقضاة، وهو ما يعد خطأ مهنيا يمكن أن يكون موضوع متابعة تأديبية عملا بمقتضيات المادة 96 من نفس القانون، مما يكون من المناسب إحالة السادة (س) و(س1) و(س2) المستشارين بمحكمة الاستئناف ب*** إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية للنظر فيما هو منسوب إليهم من إخلال بالواجب المهني.
وبناء على قرار السيد الرئيس المنتدب للمجلس 25/01/2024 بتعيين السيد *** الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف ب*** مقررا في القضية.
وبناء على تقرير السيد المقرر في الموضوع والمودع بالأمانة العامة للمجلس بتاريخ 25/01/2024.
وعند الاستماع إلى المستشار (س) من طرف السيد المقرر أفاد بأن ما قضى به القرار الجنائي موضوع البحث قد روعيت فيه جميع الضوابط القانونية، من دراسة معمقة لوقائع القضية وظروف ارتكاب الجريمة وكذا المداولة، وبعدما تكونت لديه وباقي أعضاء الهيئة القناعة الوجدانية في تمتيع المتهمين بظروف التخفيف، وفقا لما هو معلل بحيثيات القرار الجنائي موضوع التظلم طبقا للفصل 146 من القانون الجنائي، حيث تقرر تفريد العقوبات انسجاما مع الفقرة الثالثة من الفصل 147 من القانون الجنائي، وذلك بناء على المبررات التالية:
- عدم وجود نص يمنع من النزول عن الحد الأدنى المقرر للجريمة محل المتابعة.
- عدم وجود فقرة خاصة تنظم تفريد العقوبة في الحالة التي يكون فيها الحد الأدنى هو 20 سنة.
- أن الفقرة الثالثة محل التطبيق تجب وتستغرق العقوبة المنصوص عليها بالجريمة موضوع المتابعة.
وأشار إلى أنه لم يتم إثارة النقاش بخصوص الفرق فيما بين الصيغة العربية للفصل 147 من القانون الجنائي في فقرته الثالثة وبين الصيغة الفرنسية لنفس الفصل والفقرة أثناء المداولة، وأنه مع ذلك يبرر ترجيح الصيغة العربية في تطبيق الفصل المذكور بخصوص تفريد العقوبات بما استقر عليه عمل محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا) تبعا للقرار عدد 321 الصادر بتاريخ 12-01-1984 الذي رجح الصيغة التشريعية العربية على الصيغة التشريعية الفرنسية، وأضاف أنه لم يتم التطرق عند تقدير العقوبة أثناء المداولة لسن الضحية بسبب تخلفها ووليها إلى جانب دفاعها عن الحضور لجلسة المناقشة، غير أنه تم استحضار جميع الظروف التي ارتكبت فيها الأفعال الإجرامية التي تعرضت لها من طرف المتهمين بالتناوب فيما بينهم بفترات زمنية مختلفة.
وعند الاستماع إلى المستشارين (س1) و(س2) من طرف السيد المقرر أكدا نفس تصريحات المستشار (س).
وبناء على القرار الصادر عن السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية تحت عدد *** بتاريخ 09 فبراير 2024 والقاضي بإحالة المستشارين بمحكمة الاستئناف ب*** (س) و(س1) و(2) على أنظار المجلس الأعلى للسلطة القضائية كهيئة تأديبية للنظر فيما نسب إليهم من إخلال بالواجب المهني طبقا للمادة 96 من القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة.
وبناء على الاستدعاء الموجه للسيد (س) بتاريخ 09/02/2024 للمثول أمام أنظار المجلس بتاريخ 20/02/2024، والذي توصل به بتاريخ 12/02/2024 حسب الشهادة طي الملف.
وبناء على جميع وثائق الملف التأديبي والموضوع رهن إشارة السيد (س).
وبجلسة 20/02/2024 حضر السيد (س) والذي أكد فيها أنه اطلع على الملف التأديبي وأنه مستعد لمناقشة القضية، وبعد أن قدم السيد المقرر *** تقريره أمام المجلس، وتم الاستماع إلى المستشار المعني والذي أدلى بأوجه دفاعه مؤكدا تصريحاته أمام المفتشية العامة للشؤون القضائية وأمام السيد المقرر، وأدلى بمذكرة دفاعية مرفقة بقرارات قضائية
وبعد المداولة طبقا للقانون
بناء على إحالة السيد (س) المستشار بمحكمة الاستئناف ب*** على أنظار المجلس الأعلى للسلطة القضائية.
حيث أثار المستشار في مذكرته الجوابية دفعا يتعلق بعدم وضوح المتابعة وبالتالي خرق مبدأ التحديد الذي يجب أن يوسم المتابعة التأديبية، ذلك أن المفتشية العامة اقترحت إحالته وباقي أعضاء غرفة الجنايات الابتدائية على أنظار المجلس الأعلى للسلطة القضائية استنادا إلى كونهم أخلوا بمبدأ الكفاءة والاجتهاد الذي ورد بمدونة الأخلاقيات القضائية، بينما تضمن استدعاؤه وباقي الأعضاء من طرف السيد المقرر أن البحث معهم منصب على الإخلال بمبادئ وقواعد مدونة الأخلاقيات، في حين أن قرار الإحالة الصادر عن السيد الرئيس المنتدب يتضمن الإخلال بالواجب المهني.
وحيث إن المقرر المعين من طرف المجلس وكذلك المفتشية العامة ليسا جهتا إحالة، فدور المفتشية العامة يقتصر على القيام بالأبحاث والتحريات فيما قد ينسب إلى القضاة من إخلال يمكن أن يكون محل متابعة تأديبية، كما تنص على ذلك المادة 21 من القانون 38.21 المتعلق بالمفتشية العامة للشؤون القضائية.
كما أن دور السيد المقرر ينحصر في اجراء كافة الأبحاث والتحريات الضرورية بما في ذلك الاستماع إلى القاضي المعني ولكل من يرى فائدة في الاستماع إليه بالإضافة إلى عرض تقريره أمام المجلس.
وحيث إن الجهة التي خولها المشرع إحالة القضاة تأديبيا على أنظار المجلس الأعلى للسلطة القضائية هو السيد الرئيس المنتدب، بناء على اقتراح لجنة التأديب وبالتالي هو الجهة الوحيدة الموكول لها تحديد نوع المخالفة الموجبة للإحالة، وبالرجوع إلى قرار الإحالة الصادر عنه بتاريخ 09 فبراير 2024، فإنه يتضمن كمتابعة تأديبية الإخلال بالواجب المهني طبقا للمادة 96 من القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، وأن قرار الإحالة كان من ضمن الوثائق التي وضعت رهن إشارة القاضي المعني وبالتالي يبقى الدفع غير مؤسس ويتعين رده.
وحيث أكد المستشار المعني أمام المفتشية العامة وأمام السيد المقرر، وأمام المجلس أنه قرر وباقي أعضاء الغرفة تفريد العقوبات انسجاما مع الفقرة الثالثة من الفصل 147 من القانون الجنائي، وذلك اعتبارا لعدم وجود نص يمنع النزول عن الحد الأدنى المقرر للجريمة محل المتابعة، وكذا عدم وجود فقرة خاصة تنظم تفريد العقوبة في الحالة التي يكون فيها الحد الأدنى للعقوبة هو 20 سنة، كما أن الفقرة الثالثة من ذات الفصل المذكور محل التطبيق تجب وتستغرق العقوبة المنصوص عليها بالجريمة موضوع المتابعة، وأنه علاوة على ذلك فإنه لم تتم إثارة النقاش بخصوص الفرق بين الصيغة العربية للفصل 147 من القانون الجنائي في فقرته الثالثة وبين الصيغة الفرنسية لنفس الفصل والفقرة أثناء المداولة، وأنهم مع ذلك يبررون ترجيح الصيغة العربية في تطبيق الفصل المذكور بخصوص تفريد العقوبات بما استقر عليه عمل محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا) تبعا للقرار عدد 321 الصادر بتاريخ 12-01-1984 الذي رجح الصيغة التشريعية العربية على الصيغة التشريعية الفرنسية.
وحيث إن الفصل 147 من القانون الجنائي ينص على أنه "إذا كانت العقوبة المقررة في القانون هي الإعدام فإن محكمة الجنايات تطبق عقوبة السجن المؤبد أو السجن من عشرين إلى ثلاثين سنة.
وإذا كانت العقوبة المقررة هي السجن المؤبد فإنها تطبق عقوبة السجن من عشر إلى ثلاثين سنة.
وإذا كان الحد الأدنى للعقوبة المقررة هو عشر سنوات سجنا فإنها تطبق السجن من خمس إلى عشر سنوات، أو عقوبة الحبس من سنتين إلى خمس.
وإذا كان الحد الأدنى للعقوبة المقررة هو خمس سنوات سجنا فإنها تطبق عقوبة الحبس من سنة إلى خمس.
وإذا كانت العقوبة المقررة هي السجن من خمس إلى عشر سنوات فإنها تطبق عقوبة الحبس من سنة إلى خمس ....".
وحيث إن غرفة الجنايات الابتدائية أدانت المتهم الثالث من أجل جناية التغرير بقاصر بالعنف وهتك عرضها بالعنف الناتج عنه افتضاض طبقا للفصول 471 و 488 و485 من القانون الجنائي، وأن العقوبة المنصوص عليها هي السجن من عشرين إلى ثلاثين سنة.
وحيث إن الفصل 147 من القانون الجنائي أعلاه لا يتضمن، كما هو منشور في الجريدة الرسمية باللغة العربية، الفقرة الثالثة من نفس الفصل كما هي منشورة في الجريدة الرسمية باللغة الفرنسية، ونصها:
"Si la peine édictée est celle de la réclusion de 20 à 30 ans, le tribunal criminel applique la peine de la réclusion de 5 à 20 ans"
بمعنى أنه إذا كانت العقوبة المقررة هي السجن من 20 إلى 30 سنة، فإن محكمة الجنايات تطبق عقوبة السجن من 5 إلى 20 سنة.
وحيث إن ما تمسك به المستشار المعني وباقي أعضاء الغرفة بمذكرتهم الدفاعية في عدم تطبيق الصيغة الفرنسية كون قرار صادر عن المجلس الأعلى -محكمة النقض حاليا - بتاريخ 12-01-1984 تحت عدد 321 جاء فيه "أن النصوص التشريعية هي الواجبة التطبيق ولا يعيبها أن تحرر أول الأمر بغير العربية وبالتالي فلا يقبل القول بالنص الفرنسي وإعطائه الطابع التشريعي بدعوى وجود غلط في الترجمة، طالما أنه من الممكن إدخال تعديل أو تغيير على تلك النصوص بنصوص تشريعية لاحقة".
والحال أن هذا القرار نص على أنه لا يمكن الأخذ بالنص الفرنسي واستبعاد النص العربي بدعوى وجود غلط في الترجمة، وهو ما لا ينطبق مع وقائع هذه القضية لكونه ليس هناك أي تعارض بين النص باللغة العربية واللغة الفرنسية، وإنما هناك إغفال لفقرة في الصيغة العربية كانت موجودة في الصيغة الفرنسية الأصلية وبالتالي يبقى ما تم التمسك به غير مبرر ويتعين رده، خصوصا أن محكمة النقض في عدة قرارات صادرة عنها نصت على أن العقوبة الواجبة التطبيق عند تمتيع المتهم بظروف التخفيف عندما يكون الحد الأدنى للعقوبة هو 20 سنة سجنا هو العقوبة السجنية من 5 إلى عشرين سنة سجنا، أي أنها أعملت الفقرة الموجودة بالنص الفرنسي المشار إليها أعلاه.
ومنها القرار الصادر عن محكمة النقض المنشور بالمنصة الإلكترونية للمجلس الأعلى للسلطة القضائية عدد *** الصادر بتاريخ *** ملف جنائي عدد *** والذي جاء فيه: "أنه بمقتضى الفصلين 146 و147من القانون الجنائي إذا قررت المحكمة منح المتهم ظروف التخفيف وكانت العقوبة المقررة هي السجن من عشرين إلى ثلاثين سنة فإن المحكمة تطبق عقوبة سجنية من خمس إلى عشرين سنة". وقضت بنقض قرار محكمة الاستئناف التي أدانت المتهم من أجل اغتصاب قاصر نتج عنه افتضاض طبقا للفقرة الأخيرة من الفصل 488 والفقرة الثانية من الفصل 486 من القانون الجنائي بثلاث سنوات حبسا نافذا.
وقرار آخر صادر عن محكمة النقض المنشور بالمنصة الإلكترونية للمجلس الأعلى للسلطة القضائية تحت عدد *** بتاريخ *** في الملف الجنائي عدد *** والذي جاء فيه: "أنه بمقتضى الفقرة الثالثة من الفصل 147 من القانون الجنائي اذا كانت العقوبة المقررة هي السجن من عشرين إلى ثلاثين سنة فإن المحكمة تطبق عقوبة السجن من خمس إلى عشرين سنة". ولئن كان منح ظروف التخفيف من عدمه أمر موكول للسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع، فإن ذلك مرهون بتطبيق العقوبة المخففة المنصوص عليها قانونا، ومحكمة القرار المطعون فيه لما عاقبت المطلوب بثلاث سنوات حبسا نافذا ونزلت عن الحد الأدنى المطبق بمقتضى الفقرة الثالثة من الفصل 147 من القانون الجنائي، تكون قد خرقت مقتضى قانوني وجاء قرارها ناقص التعليل الموازي لانعدامه مما يعرضه للنقض والإبطال ".
وحيث إنه وبمقتضى المادة 96 من القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة يكون كل إخلال من القاضي بواجباته المهنية خطأ من شأنه أن يكون محل عقوبة تأديبية.
وحيث إن الواجبات المهنية تتمثل في جميع الالتزامات التي يضعها القانون على عاتق القاضي والتي يشكل كل إخلال بإحداها أساسا للمساءلة التأديبية.
وحيث إن من أهم تلك الالتزامات ما نص عليه الفصلان 110 و117 من الدستور والمادتان 41 و42 من القانون التنظيمي رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة والمتمثلة في سهر القاضي على التطبيق العادل للقانون وحماية حقوق الأشخاص وحرياتهم وأمنهم بتفان وحرص وتجرد، هذه الالتزامات التي تعد من مشمولات اليمين القانونية التي يؤديها القاضي قبل الشروع في ممارسة مهامه القضائية بمقتضى المادة 40 من نفس القانون.
وحيث إنه لئن كان أمر تقدير العقوبة في المجال الزجري من الصلاحيات الموكولة لقضاة الموضوع حسب اقتناعهم الوجداني الصميم، وأنه يبقى لهم في هذا الإطار السلطة التقديرية في تمتيع المحكوم عليه بظروف التخفيف، تجسيدا لمبدأ استقلال القضاة في ممارسة مهامهم القضائية وضمانا لحيادهم وتجردهم، فإن ذلك يبقى مرهونا بالتطبيق السليم للقانون.
وحيث إنه أمام ثبوت كون غرفة الجنايات الابتدائية التي كان يترأسها المستشار (س) وهي تبت في القضية قد أدانت المتهم الثالث وحكمت عليه بسنتين حبسا نافذا، فنزلت بذلك عن الحد الأدنى للعقوبة المقرر قانونا وهو خمس سنوات سجنا متمسكة بإعمالها لظروف التخفيف، تكون قد خرقت بشكل فادح وغير مستساغ قاعدة قانونية للموضوع وحادت عن التطبيق السليم للقانون، مما يشكل تقصيرا من القاضي في إيلاء العناية الواجبة عند دراسته لمعطيات القضية لكون وظيفته تستلزم الحذر والدقة والضبط.
وحيث إن المجلس يساءل القاضي تأديبيا عن كل إخلال ارتكبه أثناء ممارسته لمهامه القضائية، وكلما شكل هذا الإخلال خرقا لمبدأ التطبيق العادل للقانون وخروجا على الأسس والضوابط المعقولة، الأمر الذي ارتأى معه المجلس مؤاخذة المستشار المتابع من أجل المنسوب إليه.
وحيث إنه واعتبارا لمبدأ التناسب بين الفعل المرتكب والعقوبة التأديبية المنصوص عليها في المادة 99 من القانون التنظيمي رقم 106.13 من النظام الأساسي للقضاة.
لأجلـه
قرر المجلس اتخاذ عقوبة الإقصاء المؤقت عن العمل لمدة ستة أشهر مع الحرمان من أي أجر باستثناء التعويضات العائلية في حق السيد (س) المستشار بمحكمة الاستئناف ب*** مع نقله إلى محكمة الاستئناف ب*** بصفته مستشارا بها.
توقيع عضو المجلس المكلف بصياغة القرار | الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية |
عبد الله معوني | مَحمد عبد النباوي |
زنقة الرياض، قطاع 16 حي الرياض، ص.ب 1789 الرباط
sg@cspj.ma