موجب الإحالة: الإخلال بالواجب المهني 12-10-2021 الطباعة
لا يعتبر المجلس درجة من درجات التقاضي لتصحيح الأحكام أو مراجعتها، غير أنّ مهامه التأديبية تُسوِّغ له الاطلاع على المقررات القضائية لترتيب الأثر القانوني المناسب بشأن الوضعية التأديبية للقاضي؛
يجب على القاضي بذل عناية في ممارسة مهامه تتّسم بالحذر والدقة والضبط والمتوقع أن يكون عليها أي قاض له مستوى معقول من اليقظة والتبصر في الظروف نفسها أو في أخرى مشابهة؛
يعدّ إخلالاً بالواجب المهني:
* تقصير القاضي في إيلاء العناية الواجبة عند دراسته للقضايا؛
* تفويضه البت في القضايا أوفي جزء من وقائعها أو نقطها القانونية إلى الخبراء وإصدار أحكامه فيها دون مناقشة؛
يُساءَل القاضي تأديبيا عن كل إخلال ارتكبه أثناء ممارسته لسلطته التقديرية من قبيل التعسف والإهمال والغلو والتقصير، وكلما شكل هذا الإخلال خرقا لمبدأ التطبيق العادل للقانون وخروجا على الأسس والضوابط المعقولة؛
لا أثر لتأييد محكمة الطعن لحكم القاضي المتابع على مجرى المتابعة التأديبية طالما تعلق الأمر بخطإ مهني أدّى إلى عدم التطبيق العادل للقانون، ولا سيما إذا ارتكبت هذه الأخيرة -محكمة الطعن- إخلالا مماثلاً؛
لا ينفي رفض محكمة النقض للطعن مسؤولية القاضي المتابع لانصراف قضاء محكمة النقض إلى مراجعة القرار المطعون فيه في حدود الوسائل المثارة ودون البت في صحة الوقائع.
قضية السيد (س)
القاضي بالمحكمة الابتدائية ب*****
بتاريخ 12 أكتوبر 2021،
إن المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وهو يبت في القضايا التأديبية برئاسة السيد: مَحمد عبد النباوي، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية وعضوية السادة: مولاي الحسن الداكي- محمد بنعليلو - آمنة بوعياش- أحمد الغزلي - محمد أمين بنعبد الله - محمد زاوك – محمد الناصر – محمد خالد العرايشي - ماجدة الداودي - الحسن أطلس – حسن جابر - ياسين مخلي - عائشة الناصري- فيصل شوقي – حجيبة البخاري - محمد جلال الموسوي - عادل نظام -عبد الكريم الأعزاني ؛
وبحضور السيد مصطفى الابزار، الأمين العام للمجلس الأعلى للسلطة القضائية؛
بناء على دستور المملكة ولاسيما الفصل 113 منه؛
وبناء على مقتضيات القانون التنظيمي رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.16.40 بتاريخ 14جمادى الثانية 1437(24 مارس 2016)؛
وبناء على مقتضيات القانون التنظيمي رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.16.41 بتاريخ 14 جمادى الثانية 1437 (24 مارس 2016)؛
وبناء على النظام الداخلي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية المنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 09 نونبر 2017؛
الوقائع
يستفاد من سائر وثائق ملف التأديب أن المفتشية العامة للشؤون القضائية أنجزت تقريرا بتاريخ 17/11/2020 تحت عدد ***** في الملف رقم ***** بشأن الأبحاث والتحريات المجراة حول ما نسب إلى السيد (س) القاضي بالمحكمة الابتدائية ب*****، من إخلالات مهنية، مفاده أن المفتشية العامة توصلت بتاريخ 05/12/2019 بمذكرة الأمين العام للمجلس الأعلى للسلطة القضائية مرفقة بنسخة من كتاب السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض حول أحكام قضائية صادرة ضد "الشركة (أ)" في الملف الجنحي الاستئنافي عدد ***** بمحكمة الاستئناف ب*****، من أجل النصب عن طريق الاستمرار في تحصيل دين انقضى بالوفاء، تتلخص وقائعه في أن "الشركة (ب) تقدمت بشكاية تدعي فيها أنه بتاريخ 30/05/2016 كانت قد منحت كمبيالة تحت عدد ***** مستحقة الأداء بمجرد الاطلاع لـ "الشركة (أ)" تحمل مبلغ 2.378.894,00 درهم، والتي عوّضَت بـها 24 كمبيالة كانت قد حُكم بأداء قيمتها من طرف المحكمة التجارية ب***** بتاريخ 20/04/2016 بمقتضى الأمر بالأداء رقم ***** في الملف رقم *****، وأنه رغم قيامها بتحويل قيمة الكمبيالة بتاريخ 06/06/2016 إلى حساب "الشركة (أ) "، فإن هذه الأخيرة قد استصـدرت أحكاما قضائيـة بالأداء، وباشرت التنفيذ بشأنها، مع حجز تنفيذي على منقولات المشتكية وحساباتها البنكية وحـجز ما لها لدى الغير، وأنها بسبب ذلك تكبدت أضرارا وخسائر مادية جسيمة، كلفتها أداء غرامات عن كل يوم تأخير في تنفيذ مشروع البناء لفائدة ***** الذي كانت مرتبطة به بعقد أشغال.
وعند الاستماع تمهيديا إلى الممثل القانوني للشركة المشتكى بها، صرح أن الخدمات المسداة للمشتكية بلغت قيمتها 12 مليون درهم وأن هذه الأخيرة منحتهم فقط مبلغ 2378894.00درهم عن طريق التحويل البنكي، وأن الكمبيالة المعروضة لازالت دون أداء، وأن الشهادة البنكية المضمن بها رقم الكمبيالة لم يتم استخراجها من النظام المعلوماتي للوكالة البنكية، وأن المعلومات المضمنة بخط اليد على وثيقة الإعلان بالمديونية (َAvis de débit) التي أدلت بها المشتكية مزورة ولم تضمن بالإعلان بالدائنية (Avis de crédit)، الذي توصلت به الشركة (أ)، بالمبلغ المحول إلى حسابها، وأن الحجز الذي تم على معدات الشركة المشتكية هو حجز قانوني؛
وبعد أن تابعت النيابة العامة لدى المحكمة الابتدائية ب***** "الشركة (أ)" من أجل جنحة النصب عن طريق الاستمرار في تحصيل دين انقضى بالوفاء، تم تداول الملف إلى أن أصدرت تلك المحكمة برئاسة القاضي (س) بتاريخ19/07/2017، أمرا تمهيديا بإجراء خبرة من أجل التأكد من استخلاص الدين أكثر من مرة، وفي حالة التأكد من ذلك تحديد الأضرار اللاحقة بالمطالب بالحق المدني جراء استخلاص الدين لأكثر من مرة مع تبيان المعايير المعتمدة من طرفه في ذلك، عُهد بها إلى الخبير (ج) الذي أودع تقريره بخلاصة "أن المشتكى بها تسببت للمشتكية في مجموعة من الأضرار أثرت على نشاطها العادي من الناحية المادية والمعنوية نتيجة محاولتها استيفاء الدين لأكثر من مرة، ثم صدر الحكم في الموضوع بتاريخ 24/01/2018 بمؤاخذة المتهمة ومعاقبتها بغرامة نافذة قدرها 5.000,00 درهم، وفي الدعوى المدنية التابعة بأدائها لفائدة المطالبة بالحق المدني تعويضا إجماليا قدره 135.744.000,00 درهما؛
وبعد استئناف المحكوم عليها الحكم، أصدرت محكمة الاستئناف ب***** بتاريخ 04/06/2018 أمرا بإجراء خبرة حسابيةقام بها الخبيـر السيـد (د) الذي أنجز تقريرا انتهى فيه إلى نفس خلاصات الخبير المنتدب من المحكمة الابتدائية مع رفع قدر مبلغ التعويض المستحق إلى 138.478.100،00 درهم. وقد حضر الخبير أمام المحكمة وتمت مناقشة محتوى تقريره، صدر قرار محكمة الاستئناف بتاريخ 25/03/2019 بتأييد الحكم الابتدائي؛
وعند الاستماع للقاضي السيد (س) أمام المفتشية العامة للشؤون القضائية أفاد أنه أمر تمهيديا بإجراء خبرة في إطار الدعوى العمومية والدعوى المدنية التابعة للتأكد من استمرار تحصيل دين انقضى بالوفاء لتعلقه بأمور تقنية ووثائـق محاسباتية. وأن المبلغ تم تحويله من قبل المشتكية في نفس يوم صدور الأمر بالأداء لمبلغ 2.373.894،09 درهم (الأمر بالأداء رقم ***** الصادر عن رئيس المحكمة التجارية ب*****بتاريخ 06/06/2016). وأن المشتكية استصدرت عن نفس المحكمة أمرا بإيقاف إجراءات تنفيذ الأمر بالأداء وآخر بإلغائه بتاريخ 25/07/2016. وأنه من الصعب تقدير الضرر اللاحق بالمشتكية من جراء الحجوزات. وأن الخبير اعتمد في تقديره على صفقات تم إلغاؤها، وأنه بالاطلاع على تقرير الخبرة تبين له وجود ضرر لحق الشركة، وهو الذي بينه في الحكم معتمدا فقط على ما ذكره الخبير في تقريره. كما أنه لا يتذكر الوثائق المرفقة بتقرير الخبير الذي أشار إلى صفقات تم إلغاؤها لعدم إتمام تنفيذها. وحول سبب الحكم بأداء مقابل كراء الشاحنات عن مدة لاحقة لصدور الأمر بإلغاء الأمر بالأداء موضوع التنفيذ، أجاب بأنه لا يتوفر على جواب، مكتفيا بأن الحكم صدر دون خلفيات، ولم يتدخل لديه أي أحد. وقد صدر الحكم على ذلك النحو بسبب عدم حضور المتهمة لمناقشة الخبرة، مؤكدا أنه أوَّل حكم تمهيدي أصدره منذ مباشرته للقضايا الجنحية؛
وبناء على المقرر الذي اتخذه المجلس الأعلى للسلطة القضائية في اجتماعه المنعقد بتاريخ 29 دجنبر 2020 بتعيين السيد *****، الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف ب*****مقررا في القضية طبقا للمادة 88 من القانون المنظم له؛
وعند الاستماع إليه من قبل المقرر، صرح بأنه قد تبين للمحكمة أن المشتكى بها لجأت للقضاء عدة مرات من أجل استخلاص نفس الكمبيالة رغم توصلها بقيمتها عبر تحويل بنكي، وإقرارها بذلك بجلسة 30/05/2017. وكانت تستصدر أوامر أداء بقيمة الكمبيالة ثم تلجأ إلى القيام بحجـوزات تحفظيـة وتنفيذية انصبت على معدات وآليات عمل المشتكية ووسائل نقلها، وحجز ما للمدين لدى الغير، أوامر تم إلغاؤها لاحقا بناء على طلب المشتكية.وأضاف أنه بناء على طلب دفاع الأخيرة بجلسة 28/06/2017، التي تخلفت فيها المتهمة ودفاعها رغم الإعلام، تم الأمر بإجراء خبرة لوجود مجموعة من المعاملات المالية بين الطرفين، وهي من الأمور التقنية التي تتطلب الاستعانة بخبير لاستجلائها. كما أن تحديد الضرر يوجب أيضا الاستعانة بخبير. وقد خلص الخبيـر في تقريـره إلى أن الإجراءات التي قامت بها المتهمة في مواجهة المشتكية بعد توصلها بقيمة الكمبيالة موضوع النزاع والمتمثلة في الحجز على معدات وآليات العمل الخاصة بالمشتكية، والتي تعتبر عنصرا أساسيا لتنفيذ الصفقات التي تنجزها، فضلا عن أن الحـجوزات سواء التحفظية أو بين يدي الغير تسببت في إلغاء صفقات للمشتكية. ونتيجة لذلك تكبدت المشتكية مجموعة من الأضرار، وتمت إعادة النظر في التسهيلات البنكية، وأثرت على نشاطها العادي من الناحية المادية والمعنوية. وهو ما حدده الخبير في خبرته. وخلص أن المتهمة حاولت استيفاء الدين لأكثر من مرة. وأنه حسب نفس الخبرة فإن الاستمرار في تحصيل الدين الذي انقضى بالوفاء أثر على التزامات المشتكية في إنجاز الصفقات. مضيفا أن محكمة النقض قضت بتاريخ 08/09/2020 برفض الطعن المقدم ضد قرار محكمة الاستئناف المُؤَيّد للحكم الابتدائي، بما لا وجود معه لأي إخلال مهني؛
وبالاطلاع على الحكم التمهيدي بإجراء خبرة في الملف الجنحي موضوع القضية، تبين أن القاضي (س) أسند إلى الخبير مهمة الاطلاع على وثائق الطرفين والتأكد من استخلاص الدين لأكثر من مرة، وفي حالة التأكد من ذلك تحديد الأضرار مع بيان المعايير المعتمدة.
وبالاطلاع على تقرير الخبرة المعتمدة ابتدائيا والمنجزة من قبل الخبير (ج) بتاريخ 27/11/2017، يتبين أن هذا الأخير بين أولا جميع الإجراءات القضائية التي باشرتها الشركة (أ)(الشركة المتهمة) وكذا الشركة (ب)(المشتكية)، وهي كالآتي:
وقد خلص الخبير إلى أنه بسبب تلك الإجراءات والحجوزات تكبدت المشتكية الشركة (ب) مجموعة من الأضرار، حيث تسببت في:
وقد قدر الخبير المجموع الإجمالي للأضرار التي تكبدتها الشركة المشتكية في مبلغ 135.744.000،00 درهم. وحدد هذا المبلغ على أساس فقدان هامش الربح والخسارة الناتجة عن حجز المعدات:
وبناء على التقرير المنجز من طرف المقرر سالف الذكر والذي ضمنه مجموع ما قام به من إجراءات بما فيها سماع أقوال القاضي المتابع؛
وبناء على المقرر الذي اتخذه المجلس الأعلى للسلطة القضائية في اجتماعه المنعقد بتاريخ 21 شتنبر 2021 بإحالة القاضي (س) على أنظاره لجدية ما نسب إليه من ارتكاب إخلالات مهنية طبقا لمقتضيات المادة 96 من القانون التنظيمي المنظم له؛
وبناء على جميع وثائق الملف التأديبي للسيد (س) والتي تم وضعها رهن إشارته؛
وبناء على الاستدعاء الموجه للمعني بالأمر للمثول أمام أنظار المجلس لجلسة 05 أكتوبر 2021، توصل به بتاريخ 24 شتنبر 2021، وتم تأجيل النظر في القضية بطلب منه حُدّد لها يوم 12 أكتوبر 2021، حضرها ومعه مؤازره زميله الأستاذ ***** المستشار بمحكمة الاستئناف ب*****، وأعطيت الكلمة للسيد المقرر الذي قدم عرضا موجزا بوقائع القضية، وأعطيت الكلمة للسيد (س) الذي أكد تصريحاته في الملف، وتناول دفاعه الكلمة ملتمسا براءة مؤازره؛
وبعد المداولة طبقا للقانون
حيث أحيل السيد (س)، القاضي بالمحكمة الابتدائية ب***** على أنظار هذا المجلس من أجل الإخلال بالواجبات المهنية؛
وحيث تمسك القاضي المتابع أساساً، في جوابه على موجب المتابعة، بأنه اعتمد تقرير الخبرة لعدم حضور المتهمة لمناقشة فحواه، وبأن محكمة النقض حسمت في النزاع برفض طلب الطعن بما لا موجب معه للمتابعة؛
وحيث إنه إذا كان المجلس الأعلى للسلطة القضائية ليس درجة من درجات التقاضي لتصحيح الأحكام أو مراجعتها، فإن مهامه في مراقبة الإخلالات المهنية للقضاة تسمح له بالاطلاع على المقررات القضائية ودراستها على ضوء الالتزامات والواجبات المهنية والأخلاقية المفروضة على القضاة، دون أن يغير من قضائهم أو يصحح أحكامهم، وإنما لترتيب الأثر القانوني المناسب بشأن الوضعية التأديبية للقاضي فقط؛
كما أنه لئن كان تقدير الأدلة والوقائع من صميم سلطة محكمة الموضوع ولا تخضع في ذلك لرقابة محكمة النقض إلا فيما يخص التعليل، فإن المجلس الأعلى للسلطة القضائية، هو الجهة المخول لها مساءلة القاضي تأديبيا عن كل إخلال ارتكبه أثناء ممارسته لتلك السلطة التقديرية. وأن رقابة المجلس تنصرف إلى كيفية ممارسة القاضي لسلطته التقديرية متى اتسمت بتعسف أو إهمال واضح في استعمالها، أو بغلو أو بتقصير بين في تقديرها بشكل يخرج على الأسس والضوابط المعقولة، التي تمس بصورة العدالة ولا تعطي الانطباع على التطبيق العادل للقانون. ويمكن للمجلس، لتقدير ذلك، أن يعتمد على جميع وسائل الإثبات؛
وحيث إن المادة 96 من القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة تعتبر كل إخلال من القاضي بواجباته المهنية خطأ من شأنه أن يكون محل عقوبة تأديبية؛
وحيث إن الواجبات المهنية تتمثل في جميع الالتزامات التي يضعها القانون على عاتق القاضي، والتي يشكل كل إخلال بإحداها أساسا للمساءلة التأديبية؛
وحيث إن من أهم تلك الالتزامات ما نص عليه الفصل 110 من الدستور وما نصت عليه المادة 42 من القانون التنظيمي رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة والمتمثل في التطبيق العادل للقانون. وهو الالتزام المندرج كذلك ضمن اليمين القانونية التي يؤديها القاضي قبل شروعه في ممارسة مهامه القضائية بمقتضى المادة 40 من نفس القانون. كما يتجلى فيما يفرضه القانون على القاضي من تفان وحرص وعناية، ومن سهر على حقوق الأشخاص وحرياتهم وأمنهم، ومن ضرورة تطبيق القانون بمقتضى الفصل 117 من الدستور والمادة 41 من النظام الأساسي للقضاة؛
وحيث إن ممارسة القاضي لمهامه بحياد وتجرد وإخلاص وتفان تعد من مشمولات اليمين القانونية للقاضي، التي يعتبر الإخلال بها إخلالا بالواجبات المهنية. وهو ما يتطلب من القاضي أن يولي القضية التي ينظر فيها العناية الواجبة، بأن يحرص على إعطائها الوقت الكافي من الدراسة القبلية والبحث والتمحيص لجميع وثائق ومستندات الملف، ليتمكن من فهم النزاع المعروض عليه والمراكز القانونية لمختلف الأطراف، ويبني قناعاته القانونية على أسس واقعية وقانونية سليمة وضوابط معقولة، يعكسها في تعليل واضح وكاف يبين رأي المحكمة دونما حاجة إلى الرجوع إلى وثائق أخرى بما في ذلك تقارير الخبرة؛
وحيث إن العناية الواجبة المطلوب من القاضي بذلها في ممارسة مهامه هي تلك العناية المهنية المتسمة بالحذر والدقة والضبط والمتوقع أن يكون عليها أي قاض له مستوى معقول من اليقظة والتبصر في الظروف نفسها أو في أخرى مشابهة؛
وحيث إن تقصير القاضي في بذل ذلك القدر المطلوب من العناية وعدم أخذه له بعين الاعتبار في أدائه المهني يعد إخلالا بالواجب المهني؛
وحيث إنه من صميم عناية القاضي بالقضايا التي يدرسها عدم تفويض البت في النزاعات أو جزء من وقائعها أو نقطها القانونية إلى الغير بمن فيهم الخبراء، الذين ينحصر دورهم في الأمور التقنية والفنية، والتي يرجع تقديرها في كل الأحوال للقاضي؛
وحيث ثبت للمجلس من خلال دراسته لجميع وثائق الملف، أن القاضي بعد أن أوكل للخبير مهمة التأكد من واقعة تحصيل الدين أكثر من مرة والتي تدخل في صميم صلاحيات المحكمة، التي لا يمكن تفويضها للغير، وكلفه بتحديد الأضرار اللاحقة بالمطالبة بالحق المدني من جراء ذلك دون تقييده بنقط وأسئلة فنية، ومن غير مناقشته للمعايير المعتمد عليها، واعتمد على تقرير الخبرة وتبنى ما خلصت إليه للحكم بالإدانة وبالتعويض عن الضرر بالمبلغ الذي قدره الخبير في 135.744.000,00 درهم، والذي يمثل 57 مرة ضعف قيمة الدين موضوع الدعوى. كل ذلك دون أن يبسط رقابته على تلك الخبرة والمستندات المعتمدة من قبل الخبير. ودون أن يتحقق من سلامة الأسس والمعايير التي ارتكز عليها. سيما وأن تقرير الخبير، الذي صادقت عليه المحكمة المكونة من القاضي (س)، قد وضح المعايير التي اعتمد عليها سواء لإثبات الاستمرار في استخلاص الدين رغم الوفاء به، أو فيما يتعلق بالأضرار اللاحقة بالشركة المطالبة بالحق المدني من جراء الحجوزات التي تم إجراؤها بطلب من المتهمة، وكذلك ما يتعلق باحتساب التعويض عن تلك الأضرار. وقد كان حريا بالقاضي -لو بذل ذلك القدر العادي من العناية والتفاني في دراسة القضية ومناقشة المعايير التي اعتمدها الخبير، والوقائع التي استند إليها في إنجاز مهمته وتقديم خلاصاته- لكان حكمه واضحا سواء تبنى التقرير أو لم يتبناه؛
وحيث يتضح من دراسة الحكم وتقرير الخبرة والوثائق المدلى بها في الملف أن عدم عناية القاضي بدراسة القضية أدت إلى عدة تساؤلات حول مدى التطبيق العادل للقانون بالنسبة للحكم الصادر في القضية المعنية مما يضر بصورة العدالة، ويمس بمصداقية الأحكام؛
وحيث يكفي للتدليل على ذلك الإشارة إلى النقط التالية:
وحيث إن قبول المحكمة لخلاصات تقرير الخبرة لا يتضمن أي توضيح لما اعتمده الخبير من معايير، وتقدير المدد والآجال، ولما تضمنه من تناقضات في أسباب الضرر، وعدم التحقق من وقوع الأضرار ومن نسبتها مباشرة إلى الفعل الجرمي، وكذلك من تقدير للتعويض يعوزه التبرير الواقعي والقانوني، مما أدى إلى الحكم بتعويض يتجاوز 54 مرة المبلغ المحجوز؛
وحيث ثبت للمجلس أن القاضي قصر في دراسته للقضية وفي إيلاء العناية الواجبة عليه عند إصداره للحكم دون مناقشته، وعند تفويضه للخبير البت في نقطة نزاعية واقعية تتعلق بثبوت فعل تحصيل الدين أكثر من مرة وبالضرر الناتج عن ذلك؛
وحيث إن الدفع بتأييد محكمة الطعن للحكم لا ينبني على مرتكز سليم ولا أثر له لنفي المسؤولية وذلك لارتباط الأمر بواجب مهني أساسي يقع على عاتق القاضي، ولاسيما إذا ارتكبت محكمة الطعن إخلالا مماثلا. كما أن الدفع برفض طلب النقض هو الآخر غير مستند على أساس سليم، لأن قضاء محكمة النقض ينصرف إلى مراجعة القرار الاستئنافي. وذلك فضلا عن عدم اختصاص محكمة النقض للبت في صحة الوقائع التي بني عليها الحكم. بالإضافة إلى ارتباطها بالوسائل المثارة في مذكرة الطعن بالنقض؛
وحيث إنه، تبعا لما ذكر، تأكد للمجلس تقصير القاضي في دراسة الملف وفي فحص مستنداته ولا سيما مناقشة تقرير الخبرة، وهو ما يشكل إخلالا بالواجب المهني يستلزم مؤاخذته من أجلها؛
وحيث إن التقصير المذكور قد أدى إلى عدم التطبيق العادل للقانون من جراء الحكم بتعويض ضخم جدا لا يجد تبريره في حيثيات الحكم ولا في وثائق الملف؛
وحيث إنه اعتبارا للمسار المهني للقاضي المتابع، وللتقييم الإيجابي لعمله، فإن المجلس قرر جعل العقوبة في حقه تراعي هذا المسار والتقييم الإيجابيين؛
لأجله
قرر المجلس اتخاذ عقوبة الإنذار في حق السيد (س)، القاضي بالمحكمة الابتدائية ب*****.
زنقة الرياض، قطاع 16 حي الرياض، ص.ب 1789 الرباط
sg@cspj.ma