وفي تقديمه للندوة، أكد السيد مصطفى الابزار، الأمين العام للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، أن محاربة الفساد في المغرب يعد خيارا استراتيجيا مسنودا بإرادة ملكية سامية، وهو ما جسده المجلس في عمله على تنزيل الدستور في الشق المتعلق بالتعاون مع السلطات وإسهامها في تخليق الحياة العامة ومحاربة كل أشكال الفساد وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
وأضاف السيد مصطفى الابزار أن هذا الوعي دفع إلى توقيع مذكرة تفاهم بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة والمجلس الأعلى للحسابات بتاريخ 30 يونيو 2022، بهدف التعاون بين هذه الأطراف للاضطلاع بمهامها في إطار محاربة الفساد في مجال التدبير العمومي وتخليق الحياة العامة.
من جانبه استعرض السيد حكيم وردي، المستشار بديوان السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، تقريرا حول نجاعة أقسام الجرائم المالية، مؤكدا أنه يأتي في إطار السعي نحو تشخيص واقع أقسام الجرائم المالية كشرط ضروري لكل رؤية استشرافية تروم تجويد الأداء والرفع من النجاعة، فالتشخيص الملموس لواقع الممارسة على مستوى هذه الأقسام، يضيف المتحدث، شرط ضروي لرسم أهداف ذات مصداقية تنطلق من معرفة حقيقية جيدة بالإشكالات القانونية والواقعية التي تعيق السياسة الجنائية المرسومة لمكافحة الجرائم المالية، بما يسعف في اقتراح حلول كفيلة بتجاوزها.
وقال السيد حكيم وردي إن أعضاء اللجنة التي أشرفت على إعداد التقرير، وهي اللجنة المعنية بتنفيذ مذكرة التعاون بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة والمجلس الأعلى للحسابات، اعتبروا أن جرد الإشكالات العملية من شأنه أن يسعف في تحديد الحاجيات التكوينية لأقسام الجرائم المالية، التي يمكن أن تسهم في تطوير معارف قضاتها، بما يخدم تحقيق الأمن القضائي من خلال توحيد فهم وتفسير وتطبيق القانون، مضيفا أن التقرير يتضمن افتحاصا شاملا لأقسام الجرائم المالية على مستوى التحقيق وغرفتي الجنايات الابتدائية والاستئنافية.
وفي ذات السياق شدد السيد خالد كردودي، الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بمراكش، على مكانة المال العام كركيزة أساسية لاقتصاديات الدول، تضع من خلاله خططها الراهنة والمستقبلية، بهدف تحقيق تقدم ورفاهية المجتمع، ما يجعل حمايته هاجسا تسعى الدول لتحقيقه عبر وسائل تشريعية وغيرها، مضيفا أن القانون الجنائي جاء ليبسط حمايته على المال العام بقواعد قانونية تعاقب كل صور العدوان عليه من أي كان بمن فيهم القائمين على تدبيره والتصرف فيه.
وخلص السيد كردودي إلى كون قضية حماية المال العام تتطلب إسهام كل الأجهزة المعنية في تشخيص مكامن الخلل التي تحول دون ضمان استيفاء خزينة الدولة لحقوقها القضائية كاملة، مشددا على ضرورة الحرص على تتبع إجراءات التنفيذ فيها تلافيا لإفلات المحكوم عليهم من تنفيذ الأحكام الصادرة في حقهم خاصة في الشق المتعلق باسترجاع الأموال العامة ومصادرة الممتلكات والعائدات.
من جانبها قدمت السيدة لبنى لحلو، قاضية التحقيق بقسم الجرائم المالية بمحكمة الاستئناف بالرباط، مداخلة أكدت من خلالها أن الحماية الجنائية للمال العام لا يقتصر على الجرائم المالية، إنما تشمل جرائم الاعتداء على المال العام وتعطيل منافعه من طرف جميع المواطنين، مضيفة أن صور الفساد المالي في القانون الوطني متطابقة مع اتفاقية محاربة الفساد التي صادق عليها المغرب، بمقتضى الظهير الشريف 58.07.1. الصادر بتاريخ 30 نونبر 2007.
وسردت السيدة لبنى لحلو آليات تعاطي قضاء التحقيق مع الجرائم المالية، مضيفة أن تقنيات البحث والتحقيق في الجرائم المالية هي طرق خاصة، تتطلب تتبع أساليب دقيقة للبحث والوصول إلى الحقيقة، إذ ليس من السهل والبساطة وضع استراتيجية محددة للبحث والتحقيق في هذا النوع من الجرائم بالنظر لطبيعتها التقنية، خاصة أنها تتطلب الدمج بين المساطر الإدارية والعمليات المحاسباتية، ما يستوجب الاطلاع على أعداد كبيرة من الوثائق ودراستها.
وفي مداخلة حول المراقبة العليا للمالية العمومية، أكد السيد رضوان شكري، رئيس فرع بالمجلس الأعلى للحسابات، أن المحاكم المالية تمارس رقابة شاملة ومتنوعة بهدف حماية المال العام، تخص رقابة الالتزام والرقابة المالية ورقابة الأداء أو التسيير، وتخضع لمراقبتها كل الأجهزة العمومية (مصالح الدولة-جماعات ترابية – مؤسسات عمومية ومقاولات عمومية وطنية وترابية)، وكذا أشخاص القانون الخاص الذين يتلقون دعما عموميا كالجمعيات وأحزاب سياسية.....).
وفي إطار حماية المال العام وفق مقاربة وقائية، يضيف المتحدث، فقد تم إحداث منظومة شاملة ومتكاملة للتصريح الاجباري بممتلكات المدبرين العموميين، ايمانا منها بأهمية تخليق الحياة العامـة وتكريس مبادئ الشفافية والمساءلة، مؤكدا إدراج اختصاص تلقي وتتبع ومراقبة هذا التصريح لتحقيق هذه الغاية، في إطار المهام المنوطة بالمحاكم المالية لحماية المال العام وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وكذا الوقاية من بعض أشكال الفساد.
وفي نفس السياق أكد السيد جمال حاحو، وكيل الملك لدى المجلس الجهوي للحسابات لجهة الرباط سلا القنيطرة، أن الأجهزة العليا للمراقبة تنقسم إلى فئتين، تأخذ الأولى شكل مكاتب للتدقيق تنحصر سلطاتها في تبليغ الجهات المختصة عن المخالفات المالية في إطار أعمال الرقابة والتدقيق، وتأخذ فئة ثانية طابعا قضائيا تتوفر ضمن الإطار القانوني المحدث لها على سلطة توقيع العقاب بشكل مباشر عن المخالفات المالية المرتكبة.
وقال السيد جمال حاحو إن الهدف من رقابة الأموال العمومية يكمن في الكشف في الوقت المناسب عن كل مخالفة للمعايير المعمول بها، وعن كل مساس بمشروعية الإدارة المالية وكفاءتها وفعاليتها واقتصادها، وذلك قصد اتخاذ الإجراءات التصحيحية، أو الإجراءات الكفيلة بمنع اقتراف أعمال من هذا القبيل، أو على الأقل يجعل هذا الاقتراف أكثر صعوبة مستقبلا.
زنقة الرياض، قطاع 16 حي الرياض، ص.ب 1789 الرباط
sg@cspj.ma